لقد وقعنا فى الفخ، نعم سقط المصريون فى فخ التربص ببعضهم البعض، ومهدوا بأفعالهم وأخطائهم المتكاثرة، خلال الأشهر التالية للثورة، مساحات شاسعة من الأرض يمارسون فيها لعبة العبث المدمر بوطنهم ومستقبله. لذلك فإننا نتنقل بسلاسة وخفة من السيئ إلى الأسوأ، وبسرعة تقربنا أكثر فأكثر من حافة الهاوية، لأننا نجد صعوبة بالغة فى هجر فكر الأنانية الذى يوهم كل فريق بأنه الأجدر بفرض منطقه وتصوراته، وفى المعية يضيع فكر المواطنة الذى يتقدم فيه العام على الخاص، وينتابك الشعور بأننا فى معرض كبير لتقسيم مصر بين فرق منتصرة فى معركة وهمية على صولجان السلطة وجاهها.
وإن كنت تبحث عن شاهد يؤكد ما سبق فما عليك سوى استرجاع تفاصيل موقعة العباسية الأسبوع الماضى، وما خلفته من أحقاد وثأر لدى طرفى المواجهة بين المتظاهرين وقوات الجيش. فالمعتصمون لم يتربصوا بوزارة الدفاع وحدها، إنما بما تبقى من سيادة الدولة وهيبتها التى سعى الإسلاميون من مريدى حازم أبوإسماعيل وغيرهم من المنتسبين للتيار الإسلامى لمحوها وإزالتها من الوجود، لكى تصبح الساحة شاغرة لهم ويتولوا إعادة ترتيبها وفقًا لما يتسق مع مرادهم ورغباتهم. أما المجلس العسكرى فإنه كان متربصًا بكل صوت وجماعة تسير على غير هوى مخططه لتسيير الأمور فى مرحلة انتقالية يسودها الارتباك والفوضى، نتيجة إخفاقاته المتتالية فى قيادتها، فالمجلس لم يضع فى حساباته أنه سيواجه هذا الكم المتزايد من المنغصات والعراقيل التى سحبت كثيرًا من رصيد ثقة الجماهير فيه، بعد موقفه المشرف فى مؤازرة الثورة.
ومن الظاهر أن المجلس العسكرى غير مرتاح للعمل تحت الأضواء الكاشفة، لأنه اعتاد التحرك فى منطقة الظل بدون أن يجرؤ كائن مَن كان على مراجعته وانتقاده، ورغم هذا فإنه من الإنصاف القول بأنه لا يصح، مهما كانت المبررات، محاولة اقتحام وزارة الدفاع أو غيرها من المنشآت الحيوية فى البلاد.
وبدا من توابع فاجعة العباسية أن الإسلاميين كانوا هدفًا مكشوفًا للمتربصين بالتيار ككل، وهم ـ الإسلاميين ـ لم يقصروا فى اتباع مواقف سهلت من مهمة استهدافهم ووضعهم فى مرمى النيران، مثل دعوة قيادى سلفى لمهاجمة وزارة الدفاع واعتقال قيادات المجلس الأعلى وإعدامهم فى العباسية، وتوزيع منشورات تعتبر النظام القائم كافرًا والجيش مرتدًّا، وقول قيادى فى الإخوان المسلمين إن المرشحين المدنيين فى الانتخابات الرئاسية "كفرة"، وتشبيه الإخوان المرشح محمد المرسى بالخليفة عمر بن الخطاب، ووصف نائب سلفى فى برلمان الشعب المصرى بأنه قليل الأدب.
ولعل الوقت قد حان لكى يتحلى التيار الإسلامى بشجاعة الاعتراف بخطاياه وتذبذب خطابه العام وما حمله من تناقضات، وبأنه أخطأ عندما رسخ فى أذهان الجميع بتصرفاته أنه جاء لتحصيل حقه المستحق فى قيادة مصر فى الاتجاه الذى يراه صحيحًا. وللحق لم يكن التيار الإسلامى المخطئ الوحيد، بل بإمكانك وبارتياح شديد الزعم بأن جميع الفرقاء وقعوا فى أخطاء قاتلة، أما الأبشع فكان أن تربص كل فريق بالآخر قسم البلد إلى جزر منعزلة تبذل ما فى وسعها للابتعاد عن المحيطين بها، ولهذا يسود الاختلاف والتلاسن بين مختلف الأطراف، فما المخرج من هذا الوضع البائس المتأزم الذى يدفعنا لحرب أهلية مقيتة ستهلكنا إن وقعت لا سمح الله؟
لا يوجد مخرج آمن سوى التصالح، وأن نهجر خندق التربص، وأن نتصرف كمصريين غيورين على الوطن، وليس كأبناء أبوإسماعيل أو الإخوان المسلمين أو أحمد شفيق أو المجلس العسكرى، وأن نقرب المسافات الفاصلة فيما بيننا، وأن نكون صادقين فى توحيد الصفوف، لاجتياز ما نحن فيه من تراجع اقتصادى وسياسى واجتماعى. ولا أجد خيرًا من تصريح للرئيس الفرنسى المنتخب فرانسوا هولاند الذى قال عقب فوزه: إن مهمته ستكون توحيد الفرنسيين، فى الوقت الذى هنأه فيه خصمه نيكولا ساركوزى بالفوز ولم يشكك فى النتائج، فهل نتعظ ونتعلم ونتصالح قبل فوات الأوان؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed ahmed
1111111111111
عدد الردود 0
بواسطة:
فارس الجواد الأبيض
و بشر الظالمين
عدد الردود 0
بواسطة:
هادي الرياضي
قد اسمعت اذا ناديت حيا