فريد أبو سعده يكتب.. حلمى سالم صانعُ الدهشــة

الإثنين، 07 مايو 2012 12:24 ص
فريد أبو سعده يكتب.. حلمى سالم  صانعُ الدهشــة الشاعر محمد فريد أبو سعدة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أجّلتُ الكتابةَ عن حلمى سالم طويلاً ، فهل كان هذا لأن شعرَهُ غامضٌ ومحيرٌ ، هل لأنه كثيفٌ وملىءٌ بالأصواتِ، هل لأنه يمتلئٌ بالحيلِ والألاعيب، هل لأنه سؤالٌ مفتوحٌ على التجريبِ والمغامرة، نعم هو كذلك، وأكثرَ من ذلك أيضاً.

وإذن. فمن أين تأتى الفتنة.. من أين يفيضُ الشعر؟
سأفكرُ بصوتٍ عالٍ وأقول إن قصيدةَ حلمى ماكرةٌ ، ذكيةٌ ، وأنها تتعمدُ التمويه وتتفننُ فى استدراجِ القارئ إلى مواعيدَ لا يجد فيها ماتوقعه، أو من واعده!
فيجأر "فلا تعدى مواعدَ كاذباتٍ تمرُ بها رياحُ الصيفِ دونى"
لكن هذه الجأرة بذاتها، هى ما ترهفُ حواسَهُ فيرى الشكلَ فى الفوضى ويستطيع على الأقل أن يفرزَ بعض "الدّر من القارِ فى هذا الغلس".
إذن فما يبدو صنيعة الفوضى واللعب الحّر يمكن قنصهُ بشبكةِ النظام.

وهذه القصيدةُ تبدو، فى المطاردةِ، كأنثى ستسقطُ لا محالةَ، ولكنها تفعلُ ما فى وسعها لتأجيلِ ذلك السقوط، وما فى وسعِها كثيرٌ فى الحقيقة!

أحياناً أتخيلّ قارئاً، مثلى، يقف فى أبهاءِ هذه القصيدة، كما لو كان فى معرضٍ للفن التشكيلى يتأمل هذه وتلك من اللوحاتِ والتماثيلِ والتكوينات، يعجب أو لا يعجب، ولكنه ما إن يقترب من البابِ منصرفاً ومعذباً بحيرته حتى يشعرَ كأن مسّاً أصابَ كلَ شىء فراحت الصور والأشخاص والكائنات والأصوات تخرج من قبضة القماش والحجر والآوان والأسطوانات، تتحركُ هنا وهناك، وتكوّنُ فيما بينها علائقَ لم تكن، وحكاياتٍ لا تنفد!!.

هى إذن قصيدة تؤجل إعطاء نفسها، وتحتاج لكى تفعل، إلى قنّاصٍ دؤوب، أو مريدٍ دنف.

هى قصيدة الفسيفساء بامتياز، التشظى بنيتها الأساس، والتمويه والاستدراج حيلتها الرئيسة.

قصيدةٌ ذكيةٌ، واعيةٌ بنفسها، وكما تحّدقُ فى العالم تحّدقُ فى نفسها، وكما يكون الوجود موضوع القصيدة تكون هى أيضاً موضوع نفسها، قصيدة تمضى على السلكِ، دون تعثراتٍ فادحة، كلاعب سيركٍ محترف، بل وتبدو التعثراتُ نفسُها وكأنها من باب الإثارةِ، أو السخرية والونسِ بشهقةِ الجمهور !!

حلمى سالم شاعر قادر على قصيدة التفعيلة وقادر على قصيدة النثر ،بل قادر على كتابة مقطوعات بالغة الجمال والعذوبة من الشعر الكلاسيكى، وهو - عبر جميع دواوينه - يمزج بين هذه الأشكال بقدرٍ هائلٍ من السلاسة والتوفيق.

أن الوزن بطبيعته استفزاز وحوار خلاق بين الشاعر واللغة كثيرا ما يؤدى إلى طرح خيارات مفاجئة وفاتنة، لا تكون متيسرة دون هذا العراك وهذا الاستفزاز، وفى ديوان "الغرام المسلح" - وهو ديوان من شعر التفعيلة - هدايا بديعة من هذه الخيارات فيما أدعوه بشعرية القول المأثور أو الحكمة المُقطرة،

نراه مثلا يسك جملاً شعرية كهذه:
- طُمسَ الحلمان: الهيمنةُ بسيفٍ والهيمنةُ بمعراج
- القبضةُ باللاهوتِ أو القبضةُ بالناسوت
- فقهاءُ الأسمنتِ ونوابُ الكعبة
- الحرية خلخالٌ فى سنبكِ كلِّ حصان

وفى ديوانه الاخير وهو أيضا من شعر التفعيلة يقول:

ارفعْ رأسك َ عالية ً أنتَ المصرى
الضاربُ فى جذرِ الماضى والعصرى
خالقُ أديان َ المعمورةِ، مكتشفُ الهندسةِ، ومبتكرُ الرَّى
صاحبُ درسَ التحنيطِ، ومبتدئُ الرقصِ
وخلاط ُ القدسية َ بالبشرى

ارفعْ رأسك َ عالية ً أنتَ المصرى
الصامتُ صبراً لا إذعاناً
بل تطويل للحبل الشانق كل بغى
لاجُرْتَ على جار ٍ لا لوثتَ
مياهَ النيلِ ولا أنكرتَ نبيّْ
أنتَ موحدُ شطرينِ
وواصلُ شطينِ
وجامعُ أشلاءِ فتاكَ
على دلتا النهرينِ
ونسَّاجُ الظلمة بالضى
الكلام عن حلمى يطول انه ونسة بالدهشة المتجددة





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة