لابد أننا جميعا سمعنا عن حوادث الطوابير.. وهى حوادث متتالية تحدث أحياناً من شدة الزحام أو بسبب التقاتل على أسبقية الحصول على رغيف الخبز أوغيره من السلع، وعادة ما تكون حصيلة هذه الحوادث دما مراقا وكرامة مهدرة وألما، وما أكثر الطوابير فى مصر فمن طابور العيش الدامى إلى طابور الأنابيب وهكذا، وكلها تنقل صورة من صور المعاناة التى يحياها المواطن المصرى.
قبل الثورة كان تناول هذه الحوادث من قبل النخبة نوعاً من تأجيج السخط الشعبى على نظام فاسد مستبد، وبعد الثورة أصبح تناولها منهم مصحوباً بلامبالاة، كأنه أمر تقليدى، ربما سبب ذلك هو انشغال النخبة بقضايا مصيرية مثل الرئاسة والدستور وليت النخبة تعى أن المواطن المصرى، هو مناط الأمر كله.. ذلك أنه ببساطة صاحب الحق (الوحيد) فى اختيار شخص الحاكم (الرئيس) وطريقة الحكم (الدستور)، إلا أن النخبة انصرفت عنه فى صراع المكاسب السياسية وإجراء صفقات البقاء، والنخبة هنا هى النخبة السياسية ، وينضم لها النخبة الإعلامية التى تحرص فى كل مناسبة على فكرة "السبق" أو "الخبطة" ولو ترتب عليها بلبلة أواضطراب!!.
وقد يقودنا التساؤل عن موقف رجل النخبة من رجل الشارع إلى البحث عن أصل فكرة النخبة وكيف تأصلت فى مصر، فالنخبة حسب عالم الاجتماع الإيطالى باريتو Pareto هى طبقة متكونة من" أولئك الذين يتفوقون فى مباراة الحياة"، أى أنها تضم كوكبة من الفائقين فى كل المجالات "بما يعنى قدرتهم على التأثير على مجرى الأحداث وتوجيه دفة الأمور".
أما تأصيل فكرة النخبة فى مصر، فعلى الأرجح أنها بدأت مع مجتمع الصفوة الذى سعى محمد على باشا لإرسائه ليشمل كبار رجال الدولة والقادمين من بعثات الخارج، وقد عاشت هذه الصفوة آنذاك بمنأى من خلال نمط حياة مغاير لعامة الناس، فحدثت فجوة بين الشعب (زراعا وصناعا وتجارا) وبين رجال الباشا ثم اتسعت الفجوة مع تزايد عدد السكان، وتوالى الأزمات السياسية والاقتصادية رغم رغد الصفوة المطرد.
وبعد ثورة 1952م ورغم إصلاحاتها إلا أن النخبة الجديدة وكان قوامها رجال الجيش والموظفين- ظلت منفصلة عن المجتمع غير مكترثة بالطبقة الدنيا منه رغم أنها تمثل سواد الناس، ثم اتسعت الفجوة من جديد خلال فترة الانفتاح مع ظهور طبقة جديدة من المستفيدين، وظلت الفجوة فى حركة اتساع حتى صارت النخب كالجزر المنفصلة وسط المحيط العريض !!
وبعد ثورة يناير بدت بوادر خير فى نخبة متعلمة غير فاسدة لكن سرعان ماتعالت هذه النخبة على المواطن فاختلقت له حزباً وهمياً هو حزب الكنبة هزواً ورمياً بالغفلة!.
نستنتج مما سبق أن السمة التلازمية للنخبة هى الانفصال عن عموم الشعب، وهو ما يعنى أن نخبة ما بعد ثورة يناير- وإن ضمت أناساً تم انتخابهم بواسطة الشعب- لم تصل بعد إلى درجة الإحساس بحرمان المواطن المعدم، ولن تفهم معاناته التى وصلت إلى فقدان الحياة نفسها وسط زحام طابور العيش.
مرشحين الرئاسة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الفيوم
ولاهى محد عارف مبن الاصلح للرئاسه
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد سلامة
تحية كبرى