العباسية.. صراع صنعته الفتنة.. حلقة جديدة فى سلسلة نزيف الدم والخسائر الاقتصادية.. الأهالى: الثوار يريدون الانتقام منا .. والمعتصمون يردون: الأمن يحاول الوقيعة بيننا

سكون يشوبه قلق وحزن يطبق على الوجوه، وصراخ لا ينقطع وأصوات بحت مطالبة بوقف نزيف الدم، وتساؤلات تبحث عن إجابة من يفعل ذلك ولمصلحة من ولماذا يقتل هؤلاء الشباب ومن يقتلهم؟ ، ولماذا أصبح الدم المصرى حلالا هذا هو المشهد المسيطر على منطقة العباسية التى شهدت على مدار 5 أيام متواصلة حالة من الذعر، بسبب ما قامت به مجموعة من البلطجية من تدمير وتكسير، هذه الحالة التى لا يعرف أحد حتى الآن سببها نتجت بسبب حالة من الفتنة بين أهالى العباسية والمعتصمين نجح أحد الاطرف فى إشعال فتيل الصراع بينهم، فالأهالى يؤكدون أن المعتصمين يريدون الانتقام منهم وقتلهم والمعتصمون يؤكدون أن رجال الأمن يقتلونهم ويقتلون أهالى العباسية وفيما لاتزال حلقة الصراع قائمة يستمر نزيف الدم ولا أحد يعلم متى سينتهى.

حالة الذعر التى شهدتها العباسية لا تتوقف على قاطنيها فقط، ولكنها تمتد إلى كل المتجهين إليها فالذهاب إلى هناك مصحوب دوما بتحذيرات من سائقى السيارات الذين يرفضون الدخول إلى محيط المنطقة من ناحية ويحذرونك بشكل مستمر من التوغل فيها من ناحية ثانية.
الملامح الأولى للمنطقة التى تبدو لأى قادم لها هى المحلات المغلقة والزجاج المتطاير فى كل اتجاه والطوب المتكسر على الأرض والشباب الواقفون على مداخل العباسية و الأهالى المتراصون أمام منازلهم تحسبا لأى خطر قادم بعد ليال من الذعر.

فعند دخولك منطقة العباسية قادما من اتجاه رمسيس تستقبلك إحدى محطات البنزين التى تم تدميرها وتكسيرها بالكامل وسرقتها لتبقى دمارا وأطلالا شاهدة على جرم البلطجية، يقول محمد الوزيرى عامل بالمحطة وأحد سكان المنطقة "دخل البلطجية يوم السبت الماضى المحطة ودمروها بالكامل وسرقوا كل ما فيها من أجهزة وكوبنات بأكثر من 7 آلاف جنيه ورحلوا"، وعن سؤاله عن التواجد الأمنى فى المنطقة قال " الضباط مختفون منذ بدء الاعتصام، وكان يوجد كمين كل يوم بالليل أمام محطة البنزين ولكنه اختفى منذ الجمعة الماضى ولا يوجد أى حماية أمنية للمنطقة بالرغم من تواجد الجيش والمدرعات على بعض أمتار إلا أنها لا تتدخل لحماية المنطقة والأهالى".

وعند دخول شارع "غرب الأشلاء" المجاور للمحطة والذى يصفه الأهالى بأنه ساحة الضرب الرئيسية كل ليلة حيث يدخل البلطجية الشارع ليلا، بالمسدسات والأسلحة البيضاء ويشيعون حالة من الرعب فى الأهالى بإطلاق الأعيرة النارية فى الهواء و تكسير السيارات المتواجدة فى الشارع وتهديد السكان، ويصف عادل محمد حسان صاحب كشك وأحد القاطنين بالشارع المشهد أنه حالة من الرعب ليلا والهدوء الحذر نهارا، وقال" بدأت الأحداث فجر الأحد الماضى بدخول أعداد من البلطجية الى الشارع وتهديد الأهالى بالأسلحة، واستمر هذا الأمر كل ليلة منذ الثانية فجرا وحتى الثامنة صباحا ثم يختفون نهارا ليعودوا مرة أخرى ليلا" مشيرا إلى أن فجر الأربعاء كان أكثرها عنفا وهجوما على الأهالى، وأوضح حسان أنهم عندما طلبوا تدخل رجال الأمن والشرطة فلم يجدوا ردا سوى " حاولوا تحموا أنفسكم".

وهو ما أكدته سارة محمود طالبة بالثانوية العامة والتى كانت تجلس أمام عمارتها حماية لها، فقالت "هجوم البلطجية مستمر منذ فجر الأحد كل يوم ولكنهم لا يسرقون الأماكن المهمة وإنما هدفهم هو تخويف الأهالى فقط"، ووصفت الحياة فى المنطقة أنها كانت مستمرة بشكل طبيعى كل يوم نهارا لتصمت ليلا مع ظهور أعداد من البلطجية الذين يتجلون فى الشوارع بهدف ذعر الأهالى حتى أحداث فجر الأربعاء التى أوقفت كل شىء وأغلقت المحال أبوابها والمصالح والهيئات الحكومية.

ويعتقد الأهالى فى المنطقة أن هؤلاء هم ثوار قادمون لينتقموا من أهالى العباسية بعدما تصدوا للمسيرة التى جاءت منذ 4 أشهر عند وزارة الدفاع، تقول منى على إحدى السكان الجالسة أمام منزلها لحمايته والتى تبدو عليها ملامح الاجهاد، "هؤلاء الثوار جاءوا لينتقموا منا بسبب وقوفنا أمامهم ضد المسيرة الذاهبة إلى وزارة الدفاع منذ 4 أشهر دفاعا عن بيوتنا"، وتروى تفاصيل فجر الأربعاء أنهم فوجئوا بعدد من البلطجية يدخلون الشارع مشهرين أسلحتهم فى وجه الأهالى ويريدون تخويفهم حتى أن أحد هؤلاء حاول مهاجمة منزلها، وروت قصة أحد أقاربها يدعى "قطة" كان واقفا ليلا مع شباب المنطقة لحمايتها من البلطجية ليفجأ بدخول بأفراد معهم كشافات حددت أماكنهم ثم أطلقوا عليه النار وسحبوه الى منطقة الاعتصام ليمثلوا به، على حد قولها، لتؤكد على رغبة المعتصمين فى الانتقام من أهالى العباسية.

وعند تجولنا فى المنطقة ظهر أحد الأشخاص وبدأ فى متابعتنا وتوجيه الاتهام لنا على أننا تابعون للبلطجية محاولا تضليلنا و توجيهنا للذهاب إلى منطقة الضرب المباشر بين البلطجية والمعتصمين، إلا أن الأهالى تدخلوا لحمايتنا وإخراجنا بأمان، ولم يكن الأهالى على معرفة بهذا الشخص.

ولم تكن حصيلة الأيام الخمسة هو ذعرا وإرهاب الأهالى فقط وإنما امتدت لتشمل خسائر مادية واقتصادية للشركات والقطاعات الحكومية والخاصة بالمنطقة، فتعد منطقة العباسية من المناطق الحيوية التى تضم عددا من الشركات الخاصة والمكاتب الحكومية، قال محمد حسين صاحب إحدى الشركات السياحية بالعباسية وأحد السكان هناك، والذى كان يغلق نصف باب الشركة استعدادا لأى حالة هجوم جديدة ، "نحن نعيش على هذا الحال منذ أكثر من خمسة أيام، فالبلطجية يخرجون كل يوم ليلا ويختفون نهارا، وتوقف كل شىء إلا أننى مستمر فى العمل حفاظا على مصالح الناس"، وأوضح حسين أنهم لم يروا هؤلاء البلطجية من قبل فى المنطقة، مؤكدا أن الجهات الأمنية تعرف كل الأشخاص الموجودين فى المنطقة ولديها بياناتهم وتلزم جميع الشركات فى المنطقة بتقديم بيانات العاملين لديها، وإذا أرادوا معرفة هؤلاء البلطجية وإذا كانوا من المنطقة أو خارجها وتحديد هويتهم فيمنكهم ذلك بسهولة.

ومن جانبه قال محمد عبد الشفيع أحد المعتصمين أمام وزارة الدفاع منذ الجمعة الماضى، والممسك فى يده بعض فوارغ الرصاص الحى الذى تم إطلاقه عليهم فجر الأربعاء، أن المشهد فى الميدان لا يتم بشكل عشوائى وإنما هو مخطط من حالة البلطجة وإثارة الرعب لتوريط المعتصمين فى هذه الأحداث، مشيرا إلى أن البلطجية كانوا يسيطرون على المنطقة كل يوم ليلا، حتى إنهم كانوا لا يستطيعون الذهاب إلى مسجد النور بالميدان خوفا من حصارهم داخل المسجد مثلما حدث من قبل، وكل ذلك دون أى تدخل أمنى أو محاولة ضباط الجيش منعهم أو تأمين المنطقة.

عم إبراهيم محمد حارس جراج أبراج الملتقى المواجهة تماما للأحداث كان مشغولا بإعداد كوب من الشاى يجلس فى كشك صغير مراقبا ما يحدث، يزداد خوفه كلما سمع أصوات طلقات نارية يتحدث مع زملائه من آن لآخر لإبعاد شعور بالخوف يحاول السيطرة عليه ، يمسك مفتاحا فى يده استعدادا للهرب إذا تعرض للخطر عم إبراهيم تأثر بالأحداث بشكل غير مباشر فالعمل توقف تماما مما سيؤثر على دخله فى الفترة المقبلة وعن هذا يقول " العمل توقف تماما بسبب الأحداث فالبرج التابع له الجراج مكون من 250 شقة وعدد كبير من الشركات تم إغلاقها تماما، مما أثر بالسلب على عملنا ، كما إننا معرضون للخطر ولا توجد أى وسيلة لحمايتنا سوى الهرب وإذا لقينا حتفنا "فلن يكون لنا دية " على حد قوله.

عم محمد الذى يرفض التظاهر فى هذه المنطقة الحيوية ويطالب الثوار بالرجوع للتحرير مؤكدا أنهم أبرز المتضررين، فإذا توقف عملهم لن يجدوا قوت يومهم.
وتساءل " كيف لرجل يريد أن يصبح رئيس جمهورية فى إشارة لحازم صلاح أبو إسماعيل أن يفعل هذا "فطالما تم رفضه من اللجنة العليا للانتخابات لم يقوم بحشد الافراد والاعتصام ويجعلهم وسيلة سهلة للبلطجية ، ويوضح أنه منذ أربعة أيام ونحن نشاهد بلطجية يأتون يوميا ليلا يقومون بتكسير زجاج سيارات واقتحام محلات، ولا أحد يعرف من هؤلاء ولصالح من يقومون بهذا.

انتقالا من عم إبراهيم لمحمود غسان صاحب مكتبة والذى قابلانه وهو يغلق محله فى حوالى الساعة الرابعة، رغم أنه فى المعتاد يقوم بغلقه فى السادسة مساء قال حركة البيع توقفت تماما بفعل الأحداث موضحا أن القادمين للشراء منه أغلبهم من المترددين على المحكمة، التى أغلقت أبوابها من الصباح ومصلحة الأحوال المدنية ووزارة الكهرباء التى انصرف أغلب موظفيها مبكرا، وأشار إلى أن المنطقة بها حالة من الاضطراب منذ خمسة أيام ومليئة بالبلطجية.

أصوات الأعيرة النارية التى تسمعها من آن لآخر أثناء تواجدك بالمنطقة أثارت الذعر بين أصحاب الشركات والبنوك فاضطروا جميعا للإغلاق، وتقول منى محمد واحدة من العاملات بشركة ببرج التطبيقيين، المواجه لمكان الاشتباكات ذهبنا إلى عملنا فى الصباح وإذا بالجميع يحذرونا من دخول الشارع، ومع إصرارنا على الدخول بدأنا نراقب الأحداث من نافذة المكتب بجوار البرج فشاهدنا البلطجية يقومون بإلقاء زجاج المولوتوف على المعتصمين وسيطرت علينا حالة من الرعب، وتخيلنا أننا لن نستطيع الخروج من الشركة إذا لم يهدأ الوضع بالخارج، وظللنا هكذا حتى ساد هدوء نسبى فذهبنا، وتؤكد من الصعب العمل فى هذه الأجواء.

رجال الإسعاف شاركوا فى الأحداث من خلال عملهم وتعرضوا خلال ذلك للعديد من الأخطار، ذكرتهم بأحداث محمد محمود، ويقول أحمد المرسى مسعف وشارك فى أحداث ميدان التحرير تعرضنا لأخطار هنا من قبل بلطجية، على عكس ما كان يحدث فى التحرير فكان يوجد جهتان يتصارعان ومعروفون"الأمن والمتظاهرون".

أما الآن فنحن لا نعرف ماذا يجرى ولا من يواجه من ضد من ، وأكد أن الإصابات التى تأتى أقل بكثير من أحداث محمود محمود وكان أشدها ارتفاعا ما حدث فجر الأربعاء 2مايو،كما أإنهم يتعرضون أثناء نقل المصابين للاعتداء من قبل مجهولين وتكسير زجاج السيارة بالإضافة إلى الاعتداء على واحد من زملائهم بالضرب فى وجهه، أثناء محاولته نقل مصاب لمستشفى دار الشفاء فإذا بأحد البلطجية يقوم بضربه بقاعدة المسدس فى وجهه لم يتوقف الخطر الذى تعرض له أهالى العباسية على رجال الإسعاف والعاملين فى المنطقة ولكنه أمتد لطلبة المدينة الجامعية ومن بينهم حسن حمادة على طالب فى الفرقة السادسة بكلية الطب، ويقول إنه منذ بدء الاعتصام وهو يضطر لتغيير طريق عودته بسبب إغلاق الطريق، كما إنه لا يتحرك إلا فى إطار المدينة الجامعية ويبتعد تماما عن النزول ليلا لسماع أصوات الطلقات النارية من وقت لآخرويؤكد أن المنطقة فى حالة خطر دائم ، وأن المدينة غير مؤمنة بشكل جيد فيها فقط مجموعة من رجال الأمن المدنى الذين لا يستيطعون مواجهة البلطجية إذا حدث اقتحام للمدينة.

ويقول محمد أشرف أحد المعتصمين من حركة 6 أبريل إن من يقوم بالعتداء على المتظاهرين وأهالى العباسية أفراد من الأمن مدربون ، مدللا على هذا بضربات الرصاص التى تأتى فى الرأس مباشرة مما يؤكدعلى أنهم يريدون قتل هؤلاء وأنهم مدربون على القتل ، موضحا أنه للمرة الأولى يرى هؤلاء الأفراد الذين قاموا بالاعتداء عليهم فهم ، ولم يروهم فى اعتصامات سابقة أو حتى فى المرة السابقة التى تعرضون بها للاعتداء فى ميدان العباسية.