إذا كنا نريد أن ننطلق بمصر نحو المستقبل، لوضعها فى مكانة متقدمة بين الأمم، فهذا لن يتحقق إلا بالعلم والعلماء. وحتى نرتقى بالعلم علينا أن نرتقى بالمعلم، سواءً فى مرحلة التعليم الجامعى أو ما قبل الجماعى. وإذا ما ركزنا على التعليم الجامعى وأساتذة الجامعات، سندرك أن أساتذة الجامعات المصرية يعيشون مأساة حقيقية، وهم زبدة المجتمع وخيرة عقوله، فى مختلف ميادين العلم فى العلوم والطب والصيدلة والقانون والاقتصاد والتجارة... إلخ.
دعونا ندخل فى الموضوع مباشرة حتى لا أضيع وقتكم الثمين: فأنا كأستاذ بالجامعة وعلى درجة أستاذ، توليت وكالة كلية الحقوق ورئاسة قسم علمى بها، راتبى الشهرى بالتمام والكمال هو 2518 جنيها مصريا!! أدفع للمدرسين مقابل الدروس الخصوصية لأبنائى (طفلين والثالث على وشك دخول المدرسة) 2500 جنيه. أى أن بند الدروس الخصوصية وحده يبتلع الراتب كاملاً. ولهذا لولا سفرى فى إعارة للخارج ولولا عائد بعض كتبى لتسولت فى شوارع المحروسة!!
وفى المقابل، لو كنت قد واصلت العمل فى القضاء ولم ألتحق بالجامعة لكان راتبى اليوم أكثر من 20000 (عشرون ألف جنيه شهرياً)!! نعم هذا هو راتب زميلى الذى تركته فى القضاء والتحقت بالجامعة، باعتبار أن العمل الجامعى وأستاذ الجامعة يشكل قمة الهرم الاجتماعى. ولكنى كنت واهم شأنى فى ذلك شأن آلاف المخدوعين أمثالى.
ربما يبادر البعض بالقول أنت أستاذ فى كلية الحقوق وتحصل الكثير من الكتب وغيرها، وأنا لن أجادل فى هذا الأمر كثيراً فنحن فى كلية الحقوق مستورى الحال، ولكننا نتمنى أن نتخلص من نقمة الكتاب الجامعى لنتفرغ للعمل العلمى، لا أن نلهث بحثاً عن لقمة العيش، ماذا عن زملائنا فى كليات العلوم والزراعة والتربية... إلخ!
كيف يحصل أستاذ الجامعة على هذه الجنيهات ويحصل لاعب كرة القدم على الملايين، وتحصل الراقصة على مئات الآلاف فى الساعة ويحصل الممثل والمشوِه لقيم المجتمع على الملايين عن تمثيل فيلم أو مسلسل؟!
يا سادة... ألا تتفقون معى على أن الهرم الاجتماعى فى مصر مقلوب، حيث حلت زبدة المجتمع فى أسفله، فى حين حل هوام المجتمع ومخربيه ومغيبيه على قمته؟! لما العجب إذاً مما آلت إليه الأحوال فى مصر قبل الثورة وبعدها؟!
ما تعيشه مصر طبيعى جداً، بعد أن أهدرنا قيمة العلم وقيمة المعلم والأستاذ الجامعى. أنا لا أختلف معكم على أن أساتذة الجامعات ليسوا ملائكة وفيهم الصالح والطالح، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا، لما آلت بهم الأمور إلى ما هم عليه؟! فأستاذ فى كلية الزراعة، حيث لا طلاب ولا دعم ولا كتب، أراه يمشى بملابس ممزقة، ويحمل كيساً أسوداً فى يده؟ لما أهدرنا هذه القيمة العظيمة؟! إن المجتمعات التى تهدر فيها قيمة أستاذ الجامعة لا ينتظر لها التقدم. ألم يقل المولى عز وجل "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" كيف يرفعهم الله ويهبط بهم المجتمع فى مصر؟!
وعليه إذا أردنا بحق الارتقاء بمصر والنهوض بها، والدخول إلى عالم الدول المتقدمة علينا أن ننهض بالجامعة وأساتذتها. ليس من المنطقى أن يوافق المجلس العسكرى على قانون الشرطة، ويعطى شيخ الخفر أضعاف ما يحصل عليه أستاذ الجامعة؟! إنها كارثة بكل المقاييس!! كيف يرفض المجلس العسكرى مشروع قانون حفظ كرامة وماء وجه أساتذة الجامعات، ويوافق دون قيد أو شرط على قانون الشرطة وغيره من القوانين!!
رغم أننى من أشد المعارضين للمطالب الفئوية، ولكن بعد تمرير قوانين كثيرة لحساب فئات بعينها، وتجاهل مطالب الشرفاء من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، فأنا مع كل جهد لإجبار الحكومة على تحسين أوضاع أساتذة الجامعات، وفى نفس الوقت وضع الضوابط التى تضمن رفع الكفاءة ومحاسبة المقصرين منهم. لابد وأن يهب أساتذة الجامعات ويفيقوا من ثباتهم، فقد ثبت أنه ما ضاع حق ووراءه مطالب. فهل يتحرك أساتذة الجامعات لحفظ ماء وجوههم؟
• أستاذ بحقوق المنصورة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام
لا حياة لمن تنادى
عدد الردود 0
بواسطة:
lمدرس مساعد بالجامعه
معك كل الحق يااستاذي
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الباروجى
صبرا جميلا
عدد الردود 0
بواسطة:
د.احمداشم
كلام فى الصميم.
عدد الردود 0
بواسطة:
متسول
متسول
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رجائي
موضوع في غايه الاهميه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الرحمن يوسف
احييك يا سيادة الدكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوي
يا عم دا انتو اوكلينها والعة
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر شكري
يعني عايزين ايه