نشر معهد ستراتفور الأمريكى للاستخبارات والتحليل الاستراتيجى، والمعروف بأنه "ظل المخابرات الأمريكية" تحليلا عن الانتخابات المصرية، كتبه رئيسه جورج فريدمان، وقال فيه إن السؤال الذى يتردد الآن بعد نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية التى أسفرت عن دخول مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى، وأحمد شفيق آخر رئيس حكومة فى عهد مبارك، هو من بينهما سيفوز بدعم العلمانيين وغير الإسلاميين.
فهؤلاء، كما يقول التحليل، يعارضون كليهما، لكنهما مضطرون إلى التعامل مع رئيس سيكون واحدا منهما، ولو كانت علمانيتهم أقوى من كراهيتهم للنظام السابق، فإنهم سيساندون شفيق، ولو لم تكن كذلك، فسيدعمون مرسى، وبالطبع لم يتضح ما إذا كان المجلس العسكرى سيسلم سلطة حقيقية لأيا منهما خاصة وأن الدستور لم يصاغ بعد.
ويشير ستراتفور إلى أنه "لا الغرب ولا الكثير من المصريين اعتقدوا أن تلك ستكون نتيجة الربيع العربى فى مصر، وكان خطأهم أنهم بالغوا فى تقدير أهمية الديمقراطيين العلمانيين ومدى تمثيل المتظاهرين المناهضين لمبارك للبلاد كلها، والدرجة التى التزم بها هؤلاء المتظاهرين بنمط الديمقراطية الغربية وليس الديمقراطية التى تمثل القيم الإسلامية".
والأمر الذى تم التقليل منه بشكل أكبر، وفقا لما يراه فريدمان، هو مدى الدعم الذى يحظى به النظام العسكرى، حتى لو كان مبارك غير ذلك. ويقول المعهد الأمريكى إن شفيق ربما يفوز، وربما لا يحظى النظام السابق بدعم عاطفى أو حتى الاحترام بطرق كثيرة، لكنه يخدم مصالح بعض الناس ، مؤكدا على أن "مصر بلد تعددى، ولا يزال الكثيرون فيها يتعاملون مع فكرة أنها دولة عربية وليس إسلامية بجدية، وهؤلاء يخشون الإخوان المسلمين والإسلام المتشدد ولا يثقون كثيرا فى قدرات الأحزاب الأخرى، كالاشتراكيين الذين حلوا فى المركز الثالث ممثلين فى حمدين صباحى لحمايتهم. وبالنسبة للبعض كالأقباط، يمثل الإسلاميون تهديدا وجوديا لهم، والنظام العسكرى مهما كانت عيوبه يعرف كحصن ضد الإخوان، ولذلك فإن النظام القديم يحظى بالجاذبية لأنه معروف، فى حين أن الإخوان ليسوا معروفين فى تجربة الحكم، ويرعبون هؤلاء الملتزمين بالعلمانية، وبالتالى فإنهم قد يفضلون العيش فى ظل النظام القديم".
والأمر الذى أسىء فهمه، كما يقول فريدمان، هو أنه برغم وجود حركة ديمقراطية فى مصر إلا أن الديمقراطيين الليبراليين الذين أرادوا نظام على النمط الغربى لا يتمتعون بالشعبية، بل كانت الشعبية لائتلاف إسلامى يتجه نحو تشكيل نظام يؤسس للقيم الدينية الإسلامية.
وينتقد فريدمان المراقبين الغربيين للشأن المصرى، ويقول إنهم نظروا إلى مصر ورأوا ما يريدونه وما يتوقعونه وليس ما هو موجود بالفعل، قائلا إنهم "نظروا إلى المصريين ورأوا أنفسهم، رأوا نظاما عسكريا يعمل وحده بالقوة الوحشية دون تأييد عام، رأوا حركة جماهيرية تطالب بالإطاحة بالنظام وافترضوا أن باقى الحركة تحركها روح الليبرالية الغربية، وكانت النتيجة مواجهة ليس بين الكتلة الديمقراطية الليبرالية ونظام عسكرى متداعى، ولكن بين ممثل للنظام الذى لا يزال قويا وهو أحمد شفيق، والإخوان المسلمين".
ويرى ستراتفور أن أحد الاخطاء التى وقع فيها الغرب هو مقارنة ما حدث فى مصر ودول الربيع العربى بثورات أوروبا الشرقية فى التسعينيات، حيث كانت الأنظمة هناك لا تحظى بشعبية فعلا، لكن الربيع العربى كان مختلفا، ولم يستطع الغربيون دائما أن يفهموا اختلاف العرب عن غيرهم ، فالأنظمة فيه لم تتشكل لأسباب تدخل أجنبى، فالناصرية على سبيل المثال، كانت فكر جمال عبد الناصر، ولم تفرض على مصر من خارجها. وكانت حركة معارضة للغرب وللإمبريالية الأوروبية.
ويؤكد المعهد الاستخباراتى أن نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات تظهر معضلة مهمة وبشكل كبير، وهى أن الغرب تجاهل حقيقة أن النظام القائم فى مصر ودول الربيع العربى الأخرى استند إلى فكرة القومية ومناهضة الاستعمار والإمبريالية الغربية بما جعله يحظى بشعبية على العكس مما كان عليه الحال فى أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، حيث كانت الأنظمة فيها مدعومة من الخارج، قائلا إن "النظام الذى قامت ضده الثورة فى 25 يناير هو النظام الذى أسسه عبد الناصر، وهو حامى العلمانية وحقوق الأقليات ضد من يُخشى أن يقوموا بفرض القوانين الدينية، ربما زاد فساد النظام ضد مبارك، لكنه لا يزال يمثل اتجاها قويا بين المصريين".
وينتهى تقرير معهد ستراتفور الأمريكى بقوله "ربما يفوز الإخوان فى الانتخابات، ومن المهم هنا رصد فعل المجلس العسكرى، لكن فكرة أن هناك دعما كاسحا فى مصر لنمط الديمقراطية الغربية ليست صحيحة ببساطة، فالقضايا التى يحارب من أجلها المصريون والعرب مستمدة من تاريخهم، وفى هذا التاريخ، يلعب الجيش والدولة التى أنشاها دورا بطوليا فى تعزيز القومية والعلمانية. والأحزاب العلمانية غير العسكرية ليس لديها نفس التقليد للسير عليه".
معهد ستراتفور الاستخباراتى الأمريكى يحلل نتائج الانتخابات الرئاسية: الغرب بالغ فى تقدير أهمية الليبراليين الديمقراطيين.. ونظام مبارك رغم فساده لا يزال يمثل اتجاهاً قوياً بين المصريين
الخميس، 31 مايو 2012 05:08 م
جانب من تصويت المصريين