"اصبر يا أشرف، معلش قربنا نحقق هدفنا، استحمل شوية البرد اللى جايين دول، وبعدها هاتحس بدفء الحرية وطعم ومعنى كلمة مواطن". هذه هى الكلمات التى خاطب بها أمجد صديقه أشرف وهما فى الميدان وكان يحاول بها تخفيف الخوف الذى شعر به فى عين ووجه أشرف بعد ليلة دامية من الاشتباكات مع رجال يركبون جمالاً ويريدون البطش بهم، ولكن سرعان ما رد أشرف على صديقه بأنه لا يخاف مما حدث ولا يخشى البرد أو غيره ولكنه يخشى أمرًا آخر، قال له: "ياريت الموضوع يكون البرد، بس أنا خايف إن كل اللى بنعمله ده ميكونش بفايدة وبسأل نفسى دايمًا هو ممكن فى يوم لما يتكلموا عنا ميكونش للحظة دى أى قيمة؟" سؤال كان له وقع الدهشة على أمجد فقد أدرك أن صديقه يحسب للمستقبل الذى يجب أن يتم التفكير فيه فالثورة التى اندلعت وتواجه يوميًّا الكثير من العقبات من المؤكد أنها تواجه مخاطر راهنة حالية ومخاطر مستقبلية فى حال نجاحها بتحقيق بعض - وليس كل - أهدافها لأنها لو نجحت فى تحقيق كل أهدافها فإنها من المؤكد قامت بالقضاء على كل من يخطط لتدميرها وإعادة الأمور إلى الوراء.
"أشرف خلى بالك فيه ناس جايه من وراك خلينا نحتمى بأى حاجة شكلنا داخلين مواجهة تانية أنا مش عارف الناس دى مش بتتعب طول الليل وكمان فى أول النهار كده". حاول أمجد تحذير صديقه من موجة جديدة من الهجوم ولكن الأمر قد انتهى، ففى سرعة شديدة وجد أشرف نفسه فى مواجهة الكثير من الناس الذين يلقونه بالحجارة وفجأة سقط أشرف على الأرض فحاول أمجد الاقتراب منه ولكن المواجهة ما زالت مستمرة وأمجد يحاول أن ينتزع صديقه من وسط المعركة لكى يرى ما الذى حدث له ولكنه لم ينجح فى أن يفعل ذلك بمفرده فمبجرد انضمام الكثير من ثوار الميدان لهم فى هذه الجبهة فإن أمجد ومعه ثلاثة آخرون دخلوا فى وسط المعركة وأخرجوا أشرف منها وألقى أمجد نظرة على صديقه فوجد الدم على وجهه ومصدره ثقب كبير فى الرأس من أثر رصاصة قاتلة.
"أشرف صديقى متروحش لوحدك خدنى معاك إحنا اتفقنا إننا نستشهد سوا.. كلمنى يا صاحبى....رد عليَّا". بهذه الكلمات أخذ أمجد ينادى صديقه ويحركه أملاً فى أن يرد عليه ولكن أخبره المحيطون به فى المستشفى الميدانى بأن الأمر قد انتهى وأنه فارق الحياة.
لم يستطع أن يصدق أمجد المشهد فقام بسرعة وأخذ كل الذى وجده على الأرض وذهب للموقعة من جديد وهو يصرخ "دمك مش هيروح هدر يا أشرف دمك مش هيروح هدر ودا وعد منى".
حل المساء على القاهرة فى يوم 11 فبراير 2011 كان أمجد فى الميدان وينتظر أن يخرج بيان مهم من رئاسة الجمهورية وبمجرد أن سمع البيان ومعه كل من فى الميدان صار المكان تجمعًا احتفاليًّا بنجاح الثورة كما أطلق عليه الثوار فقد تنحى رأس النظام ولكن أمجد فى عز فرحته تذكر صديقه أشرف وتذكر وعده له وتذكر كلماته السابقة، فهل نجحت الثورة بالفعل؟ وهل أسقط النظام؟ وهل المستقبل يحمل للثورة المفاجآت ويجب علينا أن نخاف منه كما كان يقول أشرف؟ ثم هل وفيت بوعدى مع أشرف ولم يضع دمه هدرًا؟
من جديد يحل مساء القاهرة فى يوم الجمعة 25 مايو 2012 وفى هذه المرة أمجد يجلس فى بيته يتابع التلفاز الذى ينقل أخبار الانتخابات الرئاسية الأولى لمصر بعد الثورة فيجد أمجد أن البيانات والمؤشرات تؤكد أن النظام السابق يعود من جديد وأن المستقبل الذى تحدث عنه أشرف لم تضعه الثورة فى حسبانها وأن الثورة التى احتفلت بتحقيقها أحد أهدافها قد أخطأت الخطأ الكبير لاعتبارها أن سقوط رأس النظام هو كل أهدافها وهو نجاحها الحقيقى، ولكن ما حدث لم يكن سوى إسقاط شخص فقط، فنظامه حدث له بيات شتوى لحظى ثم عاد من جديد يفكر ويخطط والنتيجة مبهرة فهم يستعدون لتنصيب أحد رموزهم رئيسًا لمصر من جديد.
هنا أحس أمجد بأن وعده الذى قطعه مع أشرف لم يتحقق بل ولم يحترم أحد دمه ولا دماء غيره من شهداء، يتمتع من كانوا سببًا فى قتلهم بدرجات كبيرة من الراحة وبدرجات قليلة من المحاكمة، أدرك أمجد أن الإحباط هو هدف هؤلاء لكى تموت الثورة وتموت أهدافها، ولكنْ؛ للثورة بقية وللوطن عنوان.
ميدان التحرير
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دودى كريم
مقال بجد روعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سميرة ابراهيم
مقال بيوصف اللى عشناه
المقال ده معبر جدا جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
كريمة الأسيوطى
ياريت تكتب دايما
مقال جميل