د. حســــن عبدالحميد الدّراوى يكتب: أدب الاختلاف

الأربعاء، 30 مايو 2012 12:53 م
د. حســــن عبدالحميد الدّراوى يكتب: أدب الاختلاف صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا ثلةً نتســـــامر ونســــتمع إلى فنون الأدب من شـــــعرٍ وقصة قصيرة وقصيرة جدًّا ولما حمى الوطيس واحتدم الحوار وانزلق نحو الاختلاف غضـــبتُ من أحبتى ونبهت إلى أننا ســــننزلق لهاوية الاختلاف وعليه آثرت أن أكتب عن أدب الاختلاف وأهميته.

الشعر هو ديوان العرب، هو المعبر عن هموم القبيلة يوم كان شاعرها لسانها قبل أن يكون ناطقًا باسمها، كما اختلف الشعراء وتهاجوا بأروع القصائد ولعل قصائد معارك جرير مع الفرزدق وجرير مع الأخطل خير شاهد.

كما شهد القرن الماضى منذ بدايته معارك أدبية شعرًا ونثرًا بين جماعة الديوان عباس محمود العقاد وإبراهيم صادق الرافعى والمازنى وعبد الرحمن شكرى وبين جماعة التقليديين بإمارة أحمد شوقى، ومن ثم العقاد والمازنى، وطه حسين ومصطفى صادق الرافعى، فالعقاد ومحمد مندور. وكل هاتيك المعارك تدور فى مضمون القصيدة وشكلها ومهام الأدب ومفاهيم النقد الأدبى ومدارسه والصراع بين القديم والجديد.

أما الدكتور لويس عوض فقد خاض معارك ساخنة على كل الجبهات فى الشعر والمسرح والتاريخ والسياسة واللغة (لويس عوض ومعاركه) لنسيم جلى.

ويبدو واضحًا أن العصر الذهبى للاختلافات الأدبية والفكرية ومجالس الأدب قد ولى ليحل عصرالصراعات السياسية، وكذا الحال للصفحات الأدبية للصحف اليومية والملاحق الأدبية الأسبوعية ولهذا تجد اختفاء أنماط أدبية كالقصة القصيرة والخواطر وتقلص القصائد كمًّا ونوعًا. ليحل عصر الصحافة الإلكترونية بحروفها الضوئية، الذى يفيض فيه اللغو ويندر فيه المفيد، ولا أدل على ذلك من هذه المقالات السياسية هابطة المحتوى ركيكة المبنى المليئة بالسباب والشتائم لا لشىء إلا الاختلاف فى الرأى دون رادع مبدئى أو أخلاق فكان الاختلاف وما زال وسيبقى صفة ملازمة لبنى البشر، بل إن تاريخ الإنسانية هو تاريخ الاختلاف. وأخطر ما فيه أن يتحول إلى خلاف عنيف أو إلى حرب أولها الكلام.

لكن كلما ارتقى الانسان فى سلم التمدن لجأ إلى مقارعة الحجة بالحجة، وبذلك ولأجل ذلك شُرّعت القوانين السماوية والأرضية وتنوعت المدارس والمدارك وذلك بتعمق الخبرة الإنسانية فنشأت الفلسفة والمنطق ومن ثم العلوم المختلفة وصولاً إلى ما نحن عليه الآن.

والاختلاف نوعان:

- اختلاف تنوع، وهو اتفاق على الجوهر واختلاف فى الجزئيات، كأن نتفق على أن الجمال قيمة مطلقة ورائعة، ولكننا نختلف فى طرق التعبير عنه ووصفه. وكأن نحب الورود، ولكننا نختلف فى تفضيلنا لألوانها.

واختلاف التنوّع هذا يكون مقبولاً، بل مطلوبًا كى تسير الحياة بالتنوّع فى الرأى بسلاسة ويسر، كما أن هذا التنوّع يمتاز بأنه لا تتمخض عنه أزمات فى الفكر أو العيش المشترك.
ـ اختلاف التضاد، وهو بأصنافه الثلاثة: المذموم، والممدوح، والمستساغ، اختلاف فى الجوهر وفى التفصيلات أيضًا، وهو يعنى رأيًا ضد رأى، ولأن الأصل فى اختلاف التضاد أنه يكشف عن آراء متباينة تجاه قضية معينة، نتيجة لغياب النظرة المشتركة من قبل المتحاورين، فإنه يكون أشد مراسًا فى التناول وأفسح مجالاً للحوار.

إن منشأ الاختلاف بين البشر فى الأفكار والتوجهات والمواقف يعود لأحد أمرين:
* منشأ علمى ويمارسه العلماء والمفكرون، وهو محمود إذا استهدف الإثراء العلمى والوصول إلى اجتهاد معين.

* منشأ ذاتى، وهنا يتركز الاختلاف على أهمية تحقيق المصالح الشخصية، حيث تتضارب هذه المصلحة مع مصلحة الطرف الآخر فيرفض الاختلاف لمجرد الخلاف سواء كان فكرًا شخصيًّا أو مصلحة عامة، وهذا الاختلاف اليوم أكثر استشراءً وانتشارًا عبر حداثة الوسائط الإعلامية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة