"الكبار عايزينها كده ياباشا"، عبارة بليغة قالها بائع جرائد بسيط بتلقائية وعفوية شديدة، تعليقا على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، عندما توقفت أمامه مساء الجمعة الماضية، لشراء صحف السبت. الحكاية بدأت من طرفه بسؤالى: خلاص أحمد شفيق خدها؟ قلت: لسه، فالوقت لم يحن بعد للجزم، فالصندوق لم يقل كلمته الأخيرة، ردى لم يقنعه، فهو واثق أن الكبار فى البلد خططوا وجهزوا لخروج النتيجة بهذا الشكل الصادم لفئات عديدة من المواطنين والوسط السياسى، واعتبروا بقاء شفيق فى السباق الرئاسى ضربة قاصمة موجعة للثورة ولكل من ساندها، معتقدًا أنها ستجدد رئة مصر العليلة، وكذلك للداعمين للدولة المدنية.
دققت فى كلام الرجل، باحثا عن الكبار الذين يقصدهم، هل يلمح إلى أن المجلس العسكرى ربما أبقى على شفيق ولم يطبق عليه قانون العزل السياسى، لضمان البقاء مدة أطول فى الحكم عند توليه الرئاسة؟ أم أن تفكيره انصرف إلى أن السياسيين والمنتفعين الذين اكتظت بهم الساحة هم المسئولون، لأنهم انشغلوا بمصالحهم الضيقة المحدودة، ولم يجتهدوا لتوحيد صفوفهم؟ فهب أن حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح وأبو العز الحريرى والدكتور محمد سليم العوا وغيرهم اجتمعوا على كلمة سواء باختيار مرشح بعينه يمثل أمل المصريين فى التغيير والمحافظة على الثورة الشبيهة بفتاة جميلة يحاول كثيرون اختطافها، حينها كانت الأصوات سوف تتماسك ولن نجد أنفسنا نفاضل بين خيارين بائسين.
على كل فإن ما وقع، وبرغم أنه يضعنا على شفا حفرة من نار، فإنه لا يسعنا سوى القبول والرضا به، لأننا احتكمنا للصندوق من البداية وعلينا احترام ما يقرره، انطلاقا من ذلك فثمة ملاحظات موضوعية من الواجب إيرادها وتدارسها:
أولا: إن مصر تقف وسط حقل تجارب، فهى لم تألف بعد معطيات ومستلزمات التعددية السياسية والديمقراطية، ومن الإجحاف إجهاض ما يتشكل من رحم هذه التجارب بالتشكيك فى النتائج وفى إدارة العملية الانتخابية، والتهديد بالخروج للشوارع اعتراضا على نجاح فلان أو خسارة فلان. والقاعدة الشائعة أن الوقوع فى الخطأ يعلم فعل الصواب، وليس من المعقول أن ننتظر من الناس أن يحسنوا الاختيار منذ اللحظة الأولى، وليس عيبا أن تخطئ، لكن الجريمة ألا تصحح الخطأ ياستمرار.
ثانيا: إن الشخصنة غالبة على حياتنا السياسية طول الفترة التالية للثورة، فتقييم المرشحين لم يكن على أساس البرنامج المطروح وما يقدرون على فعله، بل على أن المرشح العلانى له خبرة واتصالات بالداخل والخارج، وأنه يتميز بالقوة والحسم، وأنه لم يتلوث بالتعاون مع نظام مبارك، ولم يشارك فى نهب ثروات البلاد، فكل تيار نظر للمرشح الذى يؤيده من زاوية ما يجسده لها من مكاسب وفوائد سيحصدها، إذا فاز، وفى المعية ضاعت الاعتبارات الوطنية المفترض بديهيا تقديمها على ما سواها. ولو كنا غلبنا المواطنة كمعيار للتقييم لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من حيرة وارتباك وخوف، فقد غابت النظرة إلى أن المتنافسين مصريون، وأن المواطنة تسمو وتعلو على الانتماء للإخوان المسلمين أو للجماعات السلفية والليبرالية وغيرها.
ثالثا: إن التخويف الزائد عن الحد يأتى بنتيجة عكس المرجو، فلم يفطن الذين أمعنوا فى انتقاد شفيق إلى أنهم قدموا له خدمة العمر، فالناخب انتبه إليه واختاره نكاية فى منتقديه، وليس ببعيد عن ذاكرتنا أن إمعان مبارك ورجاله فى التخويف من الإخوان المسلمين واعتلائهم السلطة كان سببا فى التصويت العقابى لمن روج لذلك بصورة تزيد عن الحد المطلوب.
رابعا: إن أصل القصة والمبتغى ليس انتخاب رئيس فقط، فهذا لن يكون نهاية المشوار، فما يفوقه أهمية وضرورة هو بناء نظام مؤسسى غير خاضع لتحكم الرئيس ولا يجب أن ننسى تلك الغاية الكفيلة بعدم إحياء دولة مبارك، فتعالوا نعمل سويا لانجازها، وأن نشارك فى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة بحماس ونختار من نرغب بلا ضغوط ومزايدات.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل شفيق
مصر في حاجة إلى اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري وقوى الثورة ..