إننى كأى مواطن مصرى يعيش خارج مصر يتابع أخبارها بصورة أكثر كثافة من المصريين داخل مصر، وهذا غالباً ما يحدث معى عندما أكون فى زيارات عملى المتكررة للقاهرة أجد صعوبة كبيرة فى إيجاد الوقت الكافى لمتابعة الأحداث على نفس قدر متابعتى، وأنا خارج مصر، وأنا أعتقد أن من فى الخارج يرون الصورة على الساحة السياسية بشكل أكثر شمولاً وبنظرة أكثر موضوعية، ولكن فى النهاية من يعيش داخل مصر هم الذين عانوا وتألموا وتضرروا فى أرزاقهم وأمنهم وأمانهم خلال الفترة الانتقالية الممطوطة زمنيا والمعيبة سياسياً وإداريا، هذا يجعلنى أحاول أن أتفهم النتيجة التى آلت إليها انتخابات الرئاسة، فلو تركنا جانباً المال السياسى الوفير الذى أنفق على المرشحين الفائزين والذى بالتأكيد كان له أثر كبير على نسبة الأصوات لوجدنا حالة من التباين بين نتيجة التصويت بين المصريين داخل مصر والمصريين فى الخارج، فالمصريون أعطوا أصواتهم وسط حالة من الارتباك والارتياب الفكرى فى كل الفصائل، فليست هناك صورة واضحة ولا تفاصيل محددة تستطيع أن ترسم صورة وشكل الحياة فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير.
وفى نهاية الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة وجدنا أنفسنا نخرج من حرية الإجابة على الأسئلة الاختيارية لنجد أنفسنا أمام سؤال إجبارى واحد يتطلب منا التريث كثيراً قبل الإجابة عليه، الآن لا يوجد وقت لإعادة قراءة المنهج والإجابة يتوقف عليها مصير واستقرار هذه الأمة، وأقول إن النتيجة ستكون إما النجاح بمجموع ضئيل أو الرسوب وعندها سنضطر إلى إعادة السنة مرة أخرة!!.
إن اختيار أحمد شفيق رئيساً لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير هو أعظم ما يمكن أن يقدمه الشعب المصرى من كوميديا على مر العصور، ونحن نعرف عن المصريين خفة ظلهم، ولكن لا أعتقد أنها تصل إلى هذا الحد، هذا يعنى بالنسبة لى فى هذه الحالة أن نتيجة الثورة المصرية فى ٢٥ يناير هى راسب وتستحق الإعادة.
أما اختيار محمد مرسى رئيساً فهذا يعنى أن نتيجة الثورة المصرية هى ناجح بدرجة مقبول وفى تقديرى أن الثورة المصرية كانت تستحق أكثر من ذلك بكثير.
إن دراسة الأسباب التى أوصلتنا إلى هذا الموقف هى فى غاية الأهمية حتى نتعلم ونصلح من خطواتنا فى المستقبل، أهم ما يجب أن ندركه هوالحالة النفسية التى وصل إليها المواطن البسيط أو أصحاب الأعمال الشرفاء من وقف حال بعد الثورة، هذا بالإضافة إلى الانفلات الأمنى الذى وصلنا إليه، وإن كنت لا أستبعد افتعاله فى كثير من الأحيان من أصحاب المصالح من ذوى الأموال بالنظام السابق، هذه الحالة النفسية أدت إلى تغيير نظرة هؤلاء (وهم كثيرون) فى من يدير مصر بعد ثورة ٢٥ يناير، أنا ضد التخوين لمن صوت للفريق شفيق بل وضد التشويه المتعمد لشخصه، ولكن نجاحه يأتى خارج السياق ولا يخدم الاستقرار، كما يدعى البعض، إن السياق الذى يؤدى إلى الاستقرار ونجاح الثورة كان سيأتى لو جاءت النتيجة، مثلما جاءت من التصويت فى الخارج وهى: مرسى الأول وأبو الفتوح أو حمدين الثانى وتكون الإعادة بين مرسى وحمدين أو مرسى وأبو الفتوح ويفوز أبو الفتوح أو حمدين وهذا يكون نجاحا للثورة بنسبة جيد جداً، أما نجاح الثورة بامتياز فكان بعدم ترشح شخصية إخوانية ويكون السباق بين حمدين وأبو الفتوح والبرادعى وشفيق أو غيره من العهد السابق، ويفوز أحد الثلاثة حمدين، البرادعى أو أبو الفتوح حسب برنامجه وشعبيته على الأرض، ولكنى أتفهم قليلاً موقف الإخوان الأخير الذين قرروا النزول إلى الملعب الرئاسى لمواجهة لاعبين قدامى فى المعسكر المقابل بدلا من دعم أى من اللاعبين الجدد، خوفا من عدم قدرتهم على مواجهة الخصوم المستميتين على الحكم، ولكنى أذكرهم بأن حمدين صباحى وأبو الفتوح كمستقلين وبدعم شعبى بعيد عن الكيانات التنظيمية استطاعا أن يحصدا أصواتاً قريبة من أصوات المدعومين بالكيانات التنظيمية من الإخوان أو كوادر الحزب الوطنى المنحل.
السؤال الذى يحير كثيرا من المصريين ماذا نفعل لو قاطعنا الانتخابات فقد يفوز أحد الاثنين اللذين لا نرضى عن أى منهما؟ فلو أعطينا أحمد شفيق صوتنا فسنكون خائنين لدم الشهداء وكأن ثورة لم تقم وستعود تسميتها بالانتفاضة، أما لو أعطينا صوتنا لمرسى فإننا سنسلم الزمام للإخوان المسلمين الذين لم يحسنوا لغة التفاهم مع أطياف الشعب المختلفة فى الفترة الماضية ووضعونا فى هذا المأزق بسوء أداء سياسى فى مرحلة خطيرة أبعدتهم عن القوى الثورية فأفقدوا الثورة زخمها وتعجلوا فى حصد بعض الغنائم فى وقت التف عليهم الخصوم وأتوا عليهم وعلى الثورة من حيث لا يحتسبون وهو صوت الناخب البسيط الذى كفر بالثورة والثوار والميدان والإعلام ووقف الحال!!.
ومع كل هذا فإننى حفاظاً على استقرار مصر ومع وجود بقية أمل فى إنقاذ الثورة ادعوا الإخوان إلى تغيير جذرى وفورى فى الأفكار والأفعال على الأرض، وليس فقط الاكتفاء بترديد كلمات ووعود حتى يهدأ الشارع، وتطمئن القوى السياسية على إمكانية الحوار والتفاهم مع الإخوان حول دولة مدنية متدينة، وليست دولة دينية متدنية والفارق كبير بينهما، نريد دولة تستحق مكانة مرموقة بين دول العالم المتقدم وشعبا يستحق العيش فى ظروف معيشية أفضل بعشرات المرات.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.طارق الدسوقي
تصحيح : دوله دينيه متمدينه
عدد الردود 0
بواسطة:
صـفـوت صـالـح الـكـاشف / الـقــــــاهـرة
/////// وإن لنا أن نستدرك معنى للتطورات الجارية ///////
عدد الردود 0
بواسطة:
الصقر
النفق المظلم
عدد الردود 0
بواسطة:
د.طارق الدسوقي
تصحيح لفظي وارد في المقال