من المعلوم أن صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل عام يحددها دستور البلاد المُعد سلفًا والمتفق عليه بين جميع أطياف المجتمع، والمنصوص عليها ضمن بنوده. وحينها تصبح هذه الوثيقة بمثابة عقد مبرم بين الحاكم وأفراد الشعب يُلزم كلا الطرفين بضرورة احترام ما يتضمنه من حقوق وواجبات.
وبتطبيق هذه القاعدة الدستورية العامة على الحالة المصرية الراهنة نجد أن مصر بلا دستور حتى الآن. وبالتالى ليس هناك مهام واضحة ومحددة يتقيد بها الرئيس القادم.
أما التعويل على الإعلان الدستورى وما يحتوى عليه من مواد لم يُستفت الشعب على غالبيتها؛ فذلك يفتح الطريق أمام تدخل المجلس العسكرى فى الدستور الجديد حتى بعد اختفائه من المشهد السياسى.
وهذا بالطبع يدعونا إلى التفكر فى طبيعة نظام الحكم ومرجعية الدولة. وإلى الآن لم تظهر أمامنا إرهاصات تتيح لنا التكهن بماهية السياج الذى سوف يحيط بمؤسسة الحكم، وعما إذا كان سيصبح نظامها رئاسيًّا أم برلمانيًّا أم مزيجًا من هذين النظامين، وما المرجعية، ومن سيحدد ذلك أصلاًً؟!
ولعلنا قد ارتكبنا بالفعل خطأً جسيمًا فى الماضى القريب – دون أن نشعر - إما لعدم وضوح الرؤية أو لسوء تقدير الموقف آنذاك؛ عندما وافقنا على التعديلات الدستورية التى جرت فى استفتاء التاسع عشر من مارس العام الماضى، والذى خلف وراءه ما نحن فيه الآن من معضلات سياسية معقدة والتى تلقى بظلالها على ماراثون الانتخابات الرئاسية.
وبلا أى مواربة أو التفاف حول الحقيقة؛ فإن الجدل الدائر فى الشارع السياسى والصراعات المحتدمة بين مختلف القوى الوطنية بشأن إعداد الدستور؛ يرجع بالأساس فى تقديرى إلى الاختلاف حول المادة المتعلقة بصلاحيات الرئيس، والمادة المنظمة لترشيحه، وكذلك المرتبطة بمرجعية الدولة. وباستثناء ذلك لا خلاف تقريبًا على ما دون ذلك من المواد.
فقد عانى الشعب كثيرًا طيلة العقود الماضية لعدم وضع سقف لتلك الصلاحيات وتعيين مدة زمنية للبقاء فى هذا المنصب الخطير فى دستور 1971 والذى جعل من الحاكم متحكمًا. وأعتقد أنه قد أصبح غير وارد القبول بتكرار هذا العبث بعد أن سقط مبارك.
وأخشى أن يذهب الرجل الجديد إلى القصر قبل أن يعرف ما يناط به من مسئوليات وما يخوله له الدستور من صلاحيات. فيما يعد – حال حدوثه – سابقة، بل سقطة سياسية تاريخية تؤكد استمرار تغيير المسار الطبيعى للثورة، وتشويه عملية التحول الديمقراطى الذى هو الهدف الأسمى لكل المصريين.
الواقع أننا نعيش حالة ولادة متعثرة؛ نتيجة ما يحيط بالمشهد من شكوك وصلت إلى حد التشكيك فى نوايا من يتصدرون المسرح من تيارات الإسلام السياسى، وغياب الثقة فى وعود وتصرفات المجلس العسكرى وما يدلى به من تصريحات متواصلة، رغم أنها تؤكد على ضرورة تسليم السلطة فى موعدها المحدد؛ إلا أن حالات الترقب والقلق ما زالت تسيطر على الموقف بشدة.
ومن ناحية أخرى؛ أتصور أن الحديث المتواتر من داخل أروقة النخب السياسية الذى يشير إلى إمكانية إنجاز الدستور بالتوازى مع انتخابات الرئاسة؛ قد يؤدى هذا الطرح المتسرع المبنى على الخوف من تمديد الفترة الانتقالية إلى مخاطر متعددة كسلق بعض المواد المحورية نتيجة التشتيت بين الأمرين، والتنازع من أجل حصد بعض المكاسب من قبل أطراف ومؤسسات معلومة أو غير معلومة.
وانطلاقًا من هذه النقطة؛ أستطيع القول بأن إفشال الجمعية التأسيسية المكلفة من مجلس الشعب بصياغة الدستور؛ كانت على ما يبدو وسيلة مقصودة لإرجاء الأمر برمته إلى ما بعد انتخاب الرئيس لتحقيق أهداف معينة ربما من بينها حل البرلمان إذا اعتلى كرسى الرئاسة أحد الأفراد غير المحسوبين على التيارات الإسلامية، والذى قد يعيد الإسلاميين إلى سابق عهدهم أيام النظام السابق.
إذ لم يعد هناك جدوى حقيقية للرهان على الشارع من جانب الإخوان لحشد أصوات الناخبين كالعادة، بعد أن خفت بريقهم إلى حد ما نتيجة التراجع عن التزاماتهم، خاصة فيما يتصل بمسألة الترشح للرئاسة والظهور أمام الرأى العام بمظهر الدكتاتور الجديد الطامع فى الاستحواذ على جميع مؤسسات الدولة.
وبناءً على ذلك فإن الناخبين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس مجهول الصلاحيات حتى فى أول انتخابات رئاسية فعلية فى تاريخ مصر الحديث. ومحصلة هذا الوضع المضطرب ستكون تكرار خطأ التصويت لصالح الاستفتاء السابق؛ وقد نعيد البكاء على اللبن المسكوب مرة أخرى.
محمود أنور يكتب: البكاء على اللبن المسكوب مرة أخرى
الأحد، 27 مايو 2012 09:27 م
مجلس الشعب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة