ظللًنا نعانى طيلة عمرنا من طوابير كثيرة أُجبر المواطن على الوقوف فيها، ليرى الذل والمهانة ودهس الكرامة وقتل لكل معانى الحياة والعيش الكريم.
اختلفت الطوابير باختلاف احتياجات المواطن الحياتية والتى كان يتسولها لسد رمق العيش والحياة له ولأسرته دون أن يتحقق له أدنى درجاتها، بل أنه دفع حياته ثمناً لتلك الطوابير فشهدنا شهداء الخبز وشهداء البوتاجاز.
أما طابور انتخابات رئيس مصر بعد ثورة يناير فيختلف اختلافاً كاملاً عن غيره من تلك الطوابير، حيث إنه طابور اختيارى بل أنه سعى إليه وتمناه المصريين لثلاثين عاماً لكى يشاهدوه فما بالك هم مشاركين فيه بل هم صانعوه.
ظللًت مع غيرى كثيرين فى أسيوط منتظراً دورى مساهماً فى صناعة مستقبلاً لمصر وللأولادى فى درجة حرارة لا تقل بل تزيد عن خمسين درجة مئوية والجميع فرحين مسرورين غير عابئين بتلك المعاناة.
الجميع أبدى استعداده لأن ينتظر أكثر وأكثر مبدياً تعاوناً ولا أجمل، فمنهم من يأتى بكرسى لعجوز يصعب وقوفه على قدميه، ومنهم من يعتذر لمن أمامه ومن خلفه لضيق المسافة بين الطابور، ومنهم من يضحك، ومنهن من خرجت لتشترى من جيبها علب بسكويت ومياة معدنية لتوزعها على طابورى السيدات والرجال برغم من أن تلك السيدة الفاضلة لم تعلن عن انتمائها أو دعوتها لأى مرشح ثم عادت إلى مكانها فى صمت.
تضايقت سيدة من تخطى إحداهن لدورها فى الطابور وصاحت فى وجهها بصوتٍ عالىٍ غضباً منها وتبادلا الصراخ غير أننى بادرتهن وخرجت من طابور الرجال لكى أهدأ من روعهن قائلاً: "أنه بعد ثورة يناير لا يحق لأحد أن يأخذ حق غيره ولا يحق لأحد أن يُفرط فى حقه، ثم ذكرت للسيدة مهدأً إياها: يا حاجة انتظرنا ثلاثين سنة مش كتير ننتظر ثلاثة ساعات والوقوف هنا علشان نجيب بكرة بتاع ولادنا"، ففرحت السيدة ومن حولها من السيدات والرجال فزاد أصرارهم على ما أتوا له.
لا شك أن هذا الطابور هو طابور الكرامة.. طابور الحرية والعدالة.. طابور العدل الذى تبنى عليه الأمم.. طابور لجعل مصر القوية.. طابور اختيار رئيس واحد مننا.. طابور تحقيق عيش كرامة حرية عدالة إنسانية.
الأكيد أنه لولا فضل الله ثم دماء الشهداء ما كان هذا اليوم الذى سيسجل فى تاريخ مصر، حيث أنها الانتخابات الأولى من نوعها التى ستغير أوجهاً كثيرة ليس فى المنطقة العربية وفقط بل فى الخريطة العالمية.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة