يشكل الطلاب الجامعيون جزءًا مهمًّا من الثروة البشرية الهائلة التى تمتلكها أمتنا العربية، بل إنهم يمثلون محرك التغيير المنشود لتحقيق النهضة الشاملة. وتتحمل الجامعات العربية مسئولية إعداد الطلاب وتوفير الإمكانيات والفرص التى تهيئ لهم الانخراط فى برامج خدمة المجتمعات العربية والمشاركة فى نهضة أمتنا.
يخطئ من يظن أن وظيفة الجامعة تقتصر على منح الطلاب الدرجات والشهادات العلمية، فإلى جانب هذه الوظيفة المهمة، تتحمل الجامعة مسئولية توفير بيئة أكاديمية وثقافية واجتماعية، تهيئ الظروف لانطلاق بواعث نهضة حقيقية، يكون فيها لثقافتنا الإسلامية حضور واضح فى كل جوانب العملية التعليمية والإدارية، وفى الجوانب السلوكية للأساتذة والطلاب، داخل الجامعة وخارجها.
كما تتحمل الجامعة مسئولية نشر ثقافة التعاون، والمشاركة الفاعلة، والتسامح، والعمل التطوعى، والمواطَنة الصالحة، وتحمل المسئولية، وذلك للقضاء على ثقافة الاستبداد والإقصاء وإلغاء الآخر والتعصب الحزبى السائدة فى مجتمعاتنا.
وحتى تواصل الجامعة مسيرة عطائها على أسس صحيحة يجب التأكيد على جودة التعليم وفق معايير واضحة مبنية على حاجات المجتمع المحلى وضرورات النهضة، وليس على أساس تقليد الجامعات الغربية أو الاستجابة لشروط المنح الدولية، فللمجتمعات الغربية حاجات وثقافات ومبادئ تختلف عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
وتُقاس مكانة الجامعة بمدى تفاعلها مع مشاكل المجتمع المحلى واستجابتها لمتطلبات تنميته وتطويره، وبمدى تفاعلها مع قضايا أمتنا العربية وقدرتها على تحقيق العدل والمساواة فى تعاملها مع الطلبة والأساتذة والإداريين، وهذا يحتاج إلى التعاضد والتلاحم بين الطلاب والأساتذة وإدارة الجامعة، فى جو من الانسجام والتفاهم والشفافية والثقة المتبادلة.
وهنا تكمن أهمية الدور المنوط بإدارة الجامعة، التى تمسك بزمام الأمور، وتوجه الأساتذة والطلاب والإداريين الوجهة الصحيحة، وتبعث فى نفوسهم الأمل والرغبة فى العمل، وتشحذ هممهم، وتحوِّل طموحاتهم وأهدافهم إلى برامج وخطط ينجزونها على أرض الواقع، وتمدهم بالرعاية والعناية، وتوفر لهم إمكانيات النجاح.
ويجب أن تعتمد إدارة الجامعة فى سير العملية الإدارية على أساس العدل، وليس على أساس التوازنات الفئوية، وعلى أساس القدوة، وليس على أساس القوة، وعلى أساس الرؤية الواضحة والشفافية، وليس على أساس المناورة والضبابية.
أما الأساتذة فعليهم تقع مسئولية تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة للطلاب والمجتمع، حيث يساهم الأساتذة فى تأهيل الطلاب وإعدادهم وتوعيتهم، ليصبحوا مواطنين صالحين قادرين على قيادة مسيرة التطور والنهضة، حيث تمتلك أمتنا ثروة بشرية هائلة كفيلة بإنجاز التغيير المنشود إنْ أحسنَّا استثمار هذه الثروة وتوظيفها.
إن إلهام الطلبة والارتقاء بمستوى أدائهم وطموحهم هما أرفع وظيفة يمكن أن يقوم بها الأستاذ الجامعى، وهذه العملية تتجاوز مجرد منح الشهادات إلى ما هو أسمى من ذلك بكثير. فكثير من حملة الشهادات يعانون من أمية ثقافية ويعجزون عن مواكبة التغيرات العالمية والتفاعل مع مشاكل أمتنا.
ويمثل أساتذة الجامعة أهم أركانها، وهم الأكثر قدرة على التفاعل مع قضايا المجتمع والأمة، وهم الذين يتولون تشكيل وعى الطلاب وثقافتهم، فإن كان لا يؤرقهم ويقض مضاجعهم تردى أوضاع أمتنا وضمور كيانها وزوال هيبتها، فمن غيرهم سيدافع عن أمتنا ويذود عن حياضها المستباحة؟! إن سلبية أساتذة الجامعة تلغى دورهم وتجعلهم عبئًا ثقيلاً على أمتنا، ومما يؤسف له أن الأساتذة الذين تخرجوا فى الجامعات الغربية هم الأكثر إصابة بمرض السلبية، وهم يعتبرون تجربتهم فى الجامعات الغربية مرجعية لسلوكهم وطموحهم فى الجامعات العربية. فنسبة كبيرة من الأساتذة يقضون أعمارهم فى القيام بأبحاث فى مجال تخصصاتهم، وينشرونها فى مجلات أجنبية، أو محلية أحيانًا، ولكنهم لا يهتمون كثيرًا بحل مشاكل مجتمعاتهم المحلية وخدمة أمتهم.
أما الطلاب فهم المحور المركزى للعملية الأكاديمية، ودورهم فى النهوض بالأمة هو أعظم دور. فهم قادة المستقبل الذين نعول عليهم فى الدفاع عن أمتنا واستنهاضها، ولهذا عليهم أن يتحلوا بالثبات والشجاعة فى مواجهة التحديات والمشاكل التعليمية، ويستفيدوا من البيئة الجامعية والأنشطة الطلابية فى بناء أنفسهم، وينكبوا على العلم النافع انكبابًا، ويرفعوا مستوى طموحاتهم وتوقعاتهم، ويحرصوا على الاستفادة من أوقاتهم، ويساهموا فى الحركة النقدية البناءة لجامعاتهم، ويتفاعلوا مع قضايا الأمة ومشاكل مجتمعاتهم، ويساهموا فى إرساء دعائم التغيير والنهضة.
وبما تقدم يمكن للجامعة أن تأخذ دورها الريادى والحيوى فى إنقاذ بلادنا العربية من حالة العجز والجمود والاستبداد.
فهل آن الأوان لأن يكون العرين عرين أسود؟
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة