محمد جاد الله يكتب: التوقعات المرئية فيما بين العسكر والتيارات الإسلامية

الخميس، 24 مايو 2012 08:44 م
محمد جاد الله يكتب: التوقعات المرئية فيما بين العسكر والتيارات الإسلامية انتخابات الرئاسة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيام الدراسة فى المرحلة الثانوية، كنت اشترى ليلة كل امتحان، ملزمة "التوقعات المرئية"، والتى تشمل أسئلة وأجوبة، مبنية على احتمالية ورود الأسئلة الأكثر تكراراً فى امتحانات الأعوام السابقة.

كنت أشتريها لانقيادى لسياسة القطيع التعليمية السائدة، على الرغم من علمى بأنها "سبوبة"، تلعب على وترعدم الثقة فى مصداقية النظام التعليمى المتوارثة عبر العصور.

فقد كانت دائماً فرصة للمقامرة من أجل مكسب محتمل يغنى عنه الاستذكار الموضوعى الجيد.
عاودتنى قصة التوقعات المرئية بعد الثورة، حينما قارنت التخبط الفكرى السائد فى المجتمع المصرى، مع ما وعيته من خلال دراساتى عن فلسفة الحياة عند المصريين القدماء.

فالثورة بالنسبة لى هى بداية إحياء مصر وشعبها بعد سنين من التغييب، فهى قصة "خلق جديدة" فى التاريخ.

وانبهرت حينما تذكرت أن أجدادنا من المصريين القدماء كانوا يسمون قصة الخلق وبداياته "سب تبى"، أى " فى المرة الأولى".
ويالها من تسمية، ذات دلالة عميقة.

فى المرة الأولى، تعنى ضمنياً أن هناك مرة ثانية، ومرة ثالثة، وعدد لا نهائى من المرات، التى يتكرر فيها الخلق.

إذا فكل حدث فريد فى ذاته، والفريد حتى وإن تشابه مع ما قبله يظل فريداً.
كانت تلك هى الرؤية التى تجعل المصرى القديم، صانع الحضارة، وهو يستيقظ ويبدأ يومه بمشاهدة شروق الشمس، يؤمن أن كل يوم هو بداية جديدة، وكل صباح هو مرة من مرات الخلق اللانهائية.

مكنته تلك الرؤية من أن يخرج من رتابة الأيام وتكرارها، وقللت من انشغاله بالماضى والمستقبل، لحساب اللحظة التى يعيشها، فقد كان يرى أن فى كل لحظة تمر، يكمن "كل شىء"، حيث "هو بشخصه" موجود وكائن.

وسادت تلك الرؤية لآلاف السنين، مساهمة فى تراكم الخبرات والمعرفة فى شتى المجالات فى المجتمع، فكان عندهم حلول لكل ما يصيب حضارتهم وثقافتهم من أمراض الزمن، بفضل يقينهم بأن خبرة كل مرة تختلف عن سابقتها، وأن كل حدث فى ذاته، يحدث فى المرة الأولى، وإن تشابه مع أحداث سابقة.

لم يكن فى حياتهم مكان لفكرة " التوقعات المرئية"، مما يعنى سيادة للموضوعية فى التعامل مع الأحداث.

وترتب على إهمال رؤية قدماء المصريين عبر العصور، الخلط بين الأحداث الجديدة الفريدة، وبين الأحداث التى تتكرر مكوناتها فى التاريخ دون أن تتشابه فى النتائج.

وهذا الخلط يتم استغلاله حالياً، ممن يريدون خلق سيناريوهات للسيطرة على الوعى بالإشاعات والتخويف من الماضى.

فهناك بعد الثورة أحداث تحدث "للمرة الأولى"، يجب التوقف عندها للتدبروالتعلم، ومنها وضع رئيس مصرى ونجليه خلف القضبان، حتى وإن أنصفهم نظام للعدالة ملىء بالثغرات، أو انتخاب رئيس مصرى من بين عدة مرشحين، دون معرفة قطعية مسبقة للنتائج.

أما ما نشهده من الاستغلال السياسى لتسويق فكرة التخويف من تكرار الأحداث المؤسفة التى بدأت عام 1954 بين مجلس قيادة الثورة، والإخوان المسلمين، ووضع التيارات الإسلامية فى كفة واحدة، فى مواجهة نفوذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة حالياً، فذلك طبقاً لمفاهيم قدماء المصريين الحياتية الناجحة، يعد ضرب من الخيال اللاموضوعى.

فبعد أكثر من خمسين عاماً، تغيرت الكثير من الموازنات والتوافقات بين واضعى السياسات العليا فى مصر والتيارات الإسلامية بأطيافها، ولا أجد برصد كل الأحداث بعد الثورة، أن الشد والجذب والتخويف بالصراع بينهم يخدم سياسياً إلا المصالح السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتيارات الإسلام السياسى على حد سواء.

والضحية التى سوف تنهك فى النهاية هى مصر وشعبها.
فتلك "المرة الأولى" التى نعيش فيها بمعطياتها الآن، لن يتكرر فيها ما حدث "للمرة الأولى" قبل ذلك، ففى سيناريو 1954، كانت الشرعية للانقلاب العسكرى المدعوم برضا الشعب، أما الآن فالشرعية للثورة، مهما حاولت أساليب الإيهام تغييب الوعى الجمعى المصرى عن هذه الحقيقة التاريخية.

فى عصر ما بعد ثورة 25 يناير، ينفعنا جميعاً ألا نكبل المستقبل بقيود صور ذهنية من الماضى، وذلك لاختلاف الظروف والشخوص، ومعطيات موازين القوى فى السياسة العالمية.

رؤية الأجداد لا تضع مستحيلات وعقبات أمام الوعى بالتخويف من تكرار الماضى، بل تصنع دائماً دافعاً لتحويل آمال التحضر والتقدم إلى حقيقة، يشارك فيها كل إنسان بقدراته ومقدراته.

الخسارة تبدأ عندما نعتقد أنه لا جديد تحت الشمس، وأن التاريخ يجب أن يعيد نفسه.
لا تسقطوا على التاريخ، فهو لا يعيد نفسه، بل الإنسان هو من يكرر أخطاءه.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

أمينة عبد السلام

التاريخ لا يعيد نفسه بل الانسان هو من يكرر أخطاؤه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة