د.عبد الفتاح مراد

فى سبيل فهم أحكام القضاء الإدارى (2/3)

الخميس، 24 مايو 2012 01:15 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثار الكاتب الكبير الأستاذ خالد صلاح، فى مقاله فى صحيفة "اليوم السابع" بتاريخ 11/5/2012، تساؤلاً عميقاً عن" كيف نفهم القضاء الإدارى؟" وفى سبيل تبسيط الإجابة عن هذا التساؤل فقد نشرنا بتاريخ 17/5/2012 المقال الأول من هذه السلسلة الثلاثية عن:" فى سبيل فهم أحكام القضاء الإدارى.. ما المقصود بأن القضاء الإدارى قضاء إنشائى؟" واستكمالاً لذلك وعن سبب آخر لاختلاف أحكام المحاكم هو اختلافها فى تفسير النصوص القانونية، وفى سبيل استكمال فهم سبب اختلاف الأحكام القضائية نقول: إن من الأسباب التى تؤدى إلى اختلاف محكمتين فى الحكم رغم وحدة الواقعة المعروضة عليهما اختلافهما فى تفسير النصوص القانونية التى تُنطبق على الواقعة، كما حدث فى تفسير محكمة القضاء الإدارى فى بنها بالقليوبية، لمن هو المختص بدعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية، والذى قامت بإلغائه جزئياً دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا.
ويقصد بالتفسير Interprétation فى اللغة العربية: هو عملية عقلية منطقية لعمل من الأعمال المعروفة، أى الذهنية والروحية التى تستهدف المعنى الذى يحمله اصطلاح معين.
وينقسم التفسير إلى تفسير تشريعى Interprétation législative يقوم به المشرع أو تفسير فقهى Interprétation doctrinale يقوم به أساتذة القانون أو تفسير قضائى Interprétation judiciaire يقوم به القضاة أثناء تطبيقهم لنصوص القانون، وهو موضوع بحثنا والتفسير القضائى هو استخلاص القاضى للحكم القانونى من النصوص التشريعية المعمول بها، وقد يكون التفسير القضائى تفسيرا واسعاً Interprétation extensive أو تسيراً ضيقاً Interprétation restrictive.

ويحكم تفسير وتأويل النصوص القانونية فى القانون المصرى المادة الأولى من القانون المدنى والمواد 192 و248و250 من قانون المرافعات، وهذان القانونان هما الشريعة العامة فى التفسير يكملهما مواد التفسير فى التشريعات الأخرى.

حيث تنص المادة الأولى من القانون المدنى المصرى على أن" تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التى تتناولها هذه النصوص فى لفظها أو فى فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه، حكم القاضى بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى القانون الطبيعى وقواعد العدالة".

ومن الواضح أن هذا النص يعبر فى فقرته الأولى عن فقه مدرسة قانونية معروفة هى مدرسة الشرح على المتون، فهو يوجه القاضى بأن يفسر نصوص التشريع تفسيراً لفظياً littérale، فإذا لم يؤدِ اللفظ إلى معنى النص، فهو يستخلص هذا المعنى، من فحوى النص والمقصود بفحوى النص روح التشريع.

ومن خلال خبرتنا الشخصية العلمية والعملية فى التفسير والتى نلتزم بها فى أحكامنا القضائية والتى تجنبنا الزلل فى القول والعمل ما يأتى:

أولاً: يجب على القاضى إزالة التعارض الذى قد يوجد فى الظاهر بين قواعد القانون المختلفة، لأنه من غير المقبول أن تبقى أمام القاضى إلا قاعدة قانونية واحدة واجبة التطبيق وتكتشفها الحاسة القضائية للقاضى المتمرس.

ثانياً: واجب القاضى فى إزالة التعارض بأن يطبق مبدأ أن القاعدة الأعلى تبطل القاعدة الأدنى المخالفة لها، فقواعد القانون الدستورى لا تتصور مخالفتها من قواعد القانون العادى أو قواعد القانون الفرعى، وكذلك فإن قواعد القانون العادى لا يمكن تصور مخالفتها من قواعد القانون الفرعى، ولا أهمية فى ذلك للمصدر الذى صدرت منه القاعدة، فكل مصادر القانون قادرة على خلق قواعد من درجات مختلفة، فقواعد القانون الدستورى قد تنشأ عن تشريع أو عن العرف أو عن القضاء، ويكفى بالنسبة للقضاء أن نذكر أن قاعدة رقابة القضاء لدستورية القوانين - وهى فى ذاتها قاعدة دستورية - هى من خلق القضاء ذاته وقد أوضحنا ذلك فى رسالتنا للدكتوراه عن مسئولية القضاة دراسة مقارنة فى القوانين العربية والقانون الفرنسى والإيطالى والأمريكى.

ثالثاً: يجب على القاضى أن يطبق مبدأ التفسير الذى يقضى بأن القاعدة اللاحقة تلغى القاعدة السابقة المساوية أو الأدنى منها فى القوة، ولا أهمية لمصدر القاعدة اللاحقة، أو مصدر القاعدة السابقة، وتسرى فى هذا الشأن قواعد تنازع القوانين فى الزمان، من حيث انعدام الأثر الرجعى للقانون الجديد، وأعمال الأثر المباشر لهذا القانون.

رابعاً: يجب على القاضى أن يطبق مبدأ التفسير الذى يقضى بأن القاعدة الخاصة تقيد القاعدة العامة، المساوية أو الأدنى منها فى القوة، دون نظر إلى مصدر أى من هاتين القاعدتين، ودون نظر إلى تاريخ العمل بأى منهما، وقد أصابت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حين طبقت نص المادتين 8 و10 من قانون الانتخابات الرئاسية التى تعطى للجنة الانتخابات حق دعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية وليس المادة 22 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، والتى تعطى هذا الحق لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وذلك لأن القاعدة الواردة فى قانون الانتخابات الرئاسية، هى قاعدة خاصة تقيد القاعدة العامة الواردة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية والأخيرة تنطبق فقط على انتخابات مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية دون الانتخابات الرئاسية.

أما إذا لم يمكن إزالة هذا التعارض، بأن كانت كل من القاعدتين مساوية للأخرى فى الدرجة، ومعاصرة لها فى النشأة، ومطابقة لها فى المعنى، فلا يكون هناك بد من إطراح هاتين القاعدتين معاً، إذ لا يمكن تطبيقهما فى نفس الوقت، وهذا فرض نادر للغاية، وفى هذه الحالة يلجأ القاضى إلى سلطته التقديرية فى التفسير المنصوص عليها فى المادة الأولى من القانون المدنى سالفة الذكر، وقد أوضحنا ذلك تفصيلاً فى كتابنا عن القضاء فى الإسلام دراسة مقارنة بين القضاء الإسلامى والقضاء الوضعى، وسوف نوضّح فى المقال الثالث " دور دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا فى توحيد الاختلافات فى الإنشاء والخلق والتفسير بين الأحكام الصادرة من دوائر أحكام المحكمة الإدارية العليا ذاتها".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة