قال مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إن الانتخابات الرئاسية التى ستشهدها مصر غدا الأربعاء، لا تمثل نهاية المرحلة الانتقالية وإنما هى خطة نحو بناء نظام سياسى جديد تتغير فيه شكل السلطة وما يتبعها من صلاحيات.
وفى التقرير الذى أعده، خبير شئون الشرق الأوسط ستيفين كوك، قال المجلس، وهو من أهم المراكز البحثية الأمريكية، إنه على مدار الأشهر الستة عشر الماضية، شهدت مصر مشكلات اقتصادية مؤلمة، واحتجاجات مستمرة فى الشوارع وموجات من العنف وتدهورا ملحوظا فى سلطة الدولة. إلا أن هذه التحديات لم تقوض آمال ميدان التحرير فى أعين الكثير من المصريين على العكس من تحذير البعض من ذلك. بالتأكيد فقدت القوى الثورية بريقها، وأثبت الليبراليون مدة انقسامهم لدرجة أفقدتهم الكفاءة كقوى سياسية، بينما كان للحركة العمالية، وهى كتلة قوية محتملة، التأثير الكامل على الساحة السياسية. وهذا يترك مصر عشية الانتخابات الرئاسية فى صراع على ما يبدو بين الإسلاميين والمدافعين عن الدولة المصرية الممثلين فى جنرالات المجلس العسكرى. ومع ذلك، فإن الديناميات السياسية للبلاد قد تغيرت بشكل جذرى، وتعمل السياسة المصرية وفقا لمجموعة من المبادئ الجديدة التى تشير إلى أنه أى كان الرئيس المنتخب، فإن عضر الفراعنة قد انتهى وبوضوح.
ويشير التقرير إلى أن الرئيس القادم لمصر سيخضع على الأرجح لنوع جديد من السياسة لم يعد من الممكن فيها إهمال أو رشوة أو إخراس المطالب القادمة من الأسفل. وهذه البيئة الجديدة، التى يواجه فيها رئيس أكبر دول العالم العربى من حيث السكان قائمة من التحديات الداخلية التى تمثل ضغوطا، ستبقى السياسة الخارجية على الهامش، حيث سيركز المصريون على بناء نظام سياسى جديد.
ويرى تقرير المركز الأمريكى أن الأكثر أهمية هو التغيير فى الخطاب الوطنى عن السلطة والصلاحية والشرعية فى النظام السياسى. فبلا شك، كان المصريون يطرحون هذه الأسئلة فى السنوات التى سبقت الثورة، لكن منذ رحيل مبارك، سأل النشطاء والسياسيون والصحفيون والمدونون والمواطنون الذين تم حشدهم نفس الأسئلة بطرق جديدة وبنتائج لم ترد فى السابق على الأرجح.
فعلى الرغم من الاستطلاعات التى تشير إلى أن أغلبية واضحة من المصريين يضعون الجيش فى مرتبة عالية، إلا أن الدعم الضئيل لنظام سياسى يهيمن عليه الجيش، يجعل من الصعب على المجلس العسكرى إدارة خروجه من شئون الحكم اليومية بامتيازاته ومصالحه الاقتصادية وموقف قوى فى النظام السياسى. ولعل الغضب مما يسمى وثيقة السلمة نموذجا واضحا على كيفية التنازع على مفاهيم السلطة ومن له الحق فى ممارستها فى مصر الجديدة.
كما أن الإخوان المسلمين، على حد قول كوك، لم يستطيعوا أن يفرضوا إرادتهم على المجال السياسى، فعلى الرغم من أن أكثريتهم فى البرلمان وسيطرتهم عليه وتقديمهم رؤية مقنعة لمستقبل مصر السياسى، إلا أنهم تعثروا بشكل غير متوقع. فانقسم التنظيم وتضاءلت قدرة مكتب الإرشاد على تأديب أعضائه خاصة الشباب منهم منذ بداية الثورة. ولعل واقعة طرد أبو الفتوح من الجماعة وتأييد عدد كبير من الإخوان له فى ترشحه للرئاسة دليل على الصعوبات التى تواجهها جماعة الإخوان المسلمين فى تأكيد سلطتها.
كما أن تراجع حظوظ مرشح الجماعة محمد مرسى يدل على أنها تدفع ثمن قرارها بطرح مرشح رغم وعودها السابقة بعدم فعل ذلك. ورغم أن المصريين دعموا الإخوان فى الانتخابات البرلمانية إلا أن أداءهم فى الانتخابات الرئاسية كان أشبه بنفاق عهد مبارك. ولعل المشكلات التى تواجه الإخوان المسلمين دليلا على أنه فى البيئة السياسية الأكثر انفتاحا فى مصر، سيعبر المواطنون عن أصواتهم بشكل أكثر قوة، وهذا من أهم الإنجازات التى حققتها الثورة، فالمصريون لا يطالبون فقط بمحاسبة قادتهم، فهو أمر يفعلونه منذ زمن طويل، ولكن سيتفيدون من المبادئ الأساسية التى جلبت الناس لميدان التحرير، وهى المحاسبة وحكم القانون والحقوق السياسية والشخصية.
من ناحية أخرى، كان صعود الجماعات السياسية الجديدة له تأثير مهم فى ممارسة السلطة فى مصر. فقد كتب الكثيرون عن السلفيين الذين أيدهم مبارك فى السنوات الأخيرة من أجل تشتيت التأييد للإخوان المسلمين، من خلال الترويج لاعتقاد خاطئ بأن السلفيين هادئون سياسيا بطبيعتهم.
ليس واضحا ما إذا كان سياسات مبارك لها صلة بنجاح حزب النور السلفى، لكنه يمثل تحديا للإخوان فى المنافسة على من يتحدث باسم الإسلام فى الساحة السياسية. وإلى جانب حزب النور، عرض شيخ الأزهر استعادة هيبة ومكانة الجامع والجامعة التى يقودها. والنتيجة هى النهاية الإسلامية لألوان الطيف السياسة التى من شأنها أن تمنع أى جماعة من أن تفرض رؤيتها على المجتمع. ونظرا لأهمية الدين فى الخطاب السياسى المصرى، فإن الرئيس القادم سينقل للتفاوض مع هذه المجموعات المختلفة، ولن تكون هذه مهمة سهلة. فعلى سبيل المثال، إعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة عنصرا محوريا فى نجاح أو فشل مشروع الدستور الجديد.
وفى نهاية التقرير، قال كوك إن انتخابات الرئاسة فى مصر لا تمثل نهاية الانتقال، ولكن خطوة فى بناء نظام سياسى جديد. وبصرف النظر عن النتيجة، من الواضح أن طبيعة السلطة فى مصر قد تغيرت، وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد سيريد التمسك بأكبر قدر من السلطة فى النظام السياسى بقدر الإمكان، إلا أنه سيواجه تحديا من البرلمان والجيش والمصريين الذين لم يعودوا راغبين فى وجود المظالم المرتبطة بالنظام السياسى الفاسد.
مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية: طبيعة السلطة تغيرت فى مصر بعد الثورة.. الرئيس القادم سيحاول التمسك بأكبر قدر من السلطات لكنه سيواجه تحدياً من الشعب والجيش والبرلمان
الثلاثاء، 22 مايو 2012 03:33 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة