د. عمر الوردانى

الاحتياج المصرى والعقد مع الرئيس القادم

الثلاثاء، 22 مايو 2012 10:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى هذه اللحظات التى نلتقط فيها الأنفاس فى ظل الصمت الانتخابى، الذى جاء فى وقته بعد أن كادت الرؤوس تنفجر مما امتلأت به من الـ(توك شو)، يمكن أن نسأل سؤالاً محوريًّا أظن أن أفضل وقت لطرحه الآن ألا وهو: ما الذى تحتاجه مصر الآن وفى الفترة القادمة؟

والجواب فى الحقيقة عبارة عن كلمة واحدة وهى: الإدارة، نعم تحتاج مصر إلى إدارة، ومن ثم تحتاج لمن يتولى رئاستها وتسيير أمورها فى الفترة القادمة أن يكون مديرًا أكثر من كونه أى شىء آخر.

فمصر تحتاج إلى من يكتشف قدراتها المركزية الحقيقية، وهى تلك الصفات التى تمثل أميز ما فى مصر باعتبارها دولة بمكوناتها الثلاثة القطر والشعب والنظام، ولا بد أن يتم ذلك فى شكل تحليل دقيق لنجاحات هذه الدولة العريقة، باحثين فى هذه النجاحات عن الصفات التى متى كان الاهتمام بها يتم بشكل كفء وفعال تقدمت مصر الدولة خطوات فى ركب الحضارة ورضى شعبها عن نفسه ونالت إعجاب الشعوب الأخرى.. وتتمثل أهمية اكتشاف مصر لقدراتها المركزية الحقيقية فى تولد القدرة على مراكمة نجاحاتها، وبهذا تبتعد من جهة عن التفكير بالتمنى الذى هو من أخطر أشكال التفكير فى الفترة الحالية، وكذلك تقطع الطريق على شلة سارقى الآمال وهادمى البناء الناشرين للإحباط فى أرجاء المحروسة من جهة أخرى.

وانطلاقًا من عبارة الدكتور المسيرى رحمه الله التى يقول فيها: كل الناس يتكلمون عن التغيير ولا أحد يتكلم عن ثمن التغيير، أقول: إن الآفة الحقيقية فى الحالة المصرية الراهنة هى أن الجميع يتكلم عن التغيير ولا يتكلم أحد عن إدارة التغيير، ومن الغريب أن كل ما يقع فى مصر من معوقات لإنجاز الثورة أهدافها قد نُصَّ عليه فى مبحث مقاومة التغيير فى علوم الإدارة.

بل دعونى أزيد هذا الاحتياج المصرى للإدارة عمقًا وتفصيلاً بإضافة سؤال جديد وهو: كيف يتعامل رئيس مصر القادم مع هذا الاحتياج؟.. إن من أسوأ أشكال التعامل مع الاحتياج هو محاولة تعديل الاحتياج، ومن المشاهد الهزلية أن يحاول الرئيس القادم تحويل احتياج مصر لمدير لدولتها، فيحوله إلى احتياج لسياسى مناور يحاول إدخال رؤى سياسية جديدة قبل تحقيق سند مشروعية هذه الرؤى، وهو الإنجاز فى الملفات العاجلة المهمة التى تجاوزت حد المشكلات إلى الدخول فى عاصفة الأزمات.

ولذا أرى أن أفضل طريقة يعالج بها رئيس مصر القادم هذا الاحتياج هى أن ينسى الظلال القديمة البائدة المصاحبة لوصف الرئيس المليئة بالتسلط والمزاجية والابتعاد عن المنهجية فى اتخاذ القرار، وعدم الوعى بواجبات الحالة الراهنة، ويتذكر أن عملية الانتخاب التى قام بها الشعب ما هى إلا مجرد اختيار لمدير يقوم بأعمال الإدارة لموارد وممتلكات هذا الشعب، وهذا يقتضى أنه سيبقى فى هذا المنصب بحسب ما حققه من نجاح فى هذه الإدارة.

وأرجو من الذين يحاولون صناعة متسلط دكتاتورى جديد عندما يخلطون عن عمد أو غير عمد بين تكييف العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى الدولة الحديثة واستنباط الأحكام المنظمة لهذه العلاقة، أرجو منهم أن يتعقلوا قليلاً، لأن الكلمة فى هذا الوقت قد تهوى بصاحبها سبعين خريفًا فى النار، كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وتسهيلاً عليك أخى القارئ أقول: إن الدولة التى نعيش فيها الآن دولة حديثة قطرية محدودة السيادة بحدود هذا القطر برًّا وجوًّا وبحرًا، وهذا يعنى أننا لا نعيش فى دولة الخلافة الجامعة لسائر المسلمين ممتدة الأرجاء ذات الخليفة الواحد لجميع البلاد المسلمة الذى يجب عليه مغالبة غيره إن أعلن نفسه خليفة معه؛ لأنه كما قيل: لا يجتمع سيفان فى غمد.. فالسبب الرئيس فيما وقع من تقاتل بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فى صفين والجمل كان محاولة استقلال كل فريق عن الآخر بالخلافة.

وهذه المباينة بين الدولة القطرية الحديثة ودولة الخلافة فى الصورة والتصوير يؤثر بشدة فى تكييف العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى هذه الدولة؛ حيث العقد الذى يتم ارتباطهما من خلاله هو عقد إدارة وليس عقد بيعة؛ لأن هذا الحاكم (رئيس الدولة) جاء عن طريق الانتخاب بالاختيار الحر من الشعب بناء على اتفاق ضمنى بينه وبين هذا الشعب على سد احتياجاته وتحقيق أهدافه، فأصبح وكيلاً مديرًا فى القيام بذلك.

فتكييف العلاقة بين الحاكم والمحكوم فى هذه الدولة الحديثة بأنها عقد إدارة هو التكييف الصحيح، أما فى مرحلة استنباط أحكام هذه العلاقة التعاقدية فمن حق الفقيه أن يقيس هذه العلاقة على ما يشابهها من أحكام لحالات أخرى للعلاقة بين الحاكم والمحكوم مثل عقد البيعة.

وهنا ستنتظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فلا تصبح الثورة خروجًا على الحاكم، ولكن التصور الصحيح أن خلع رئيس خالف أهداف الشعب الذى وكَّله فى تحقيقها ليس من الخروج على الحاكم فى شىء، وعليه يصبح ما قيل من أن الحاكم القادم إن كان إسلاميًّا – لا أعرف لماذا هذا القيد– لا يمكن خلعه؛ لأن ذلك يعدُّ خروجًا عليه، فإن هذا الكلام يصبح تهديدًا لأصحاب المال والأرض والعرض وهم الشعب من قبل من يريد أن يتولى إدارة هذا القطر المصرى المحروس.. الذى أصبح يرفض لغة التهديد من قبل من يعمل مديرًا لهذه الدولة لا سيدًا لها.. يا سادة كلمة السر فى هذه المرحلة هى: الإدارة.
• أمين الفتوى ومدير مركز التدريب بدار الإفتاء.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة