غادة محمود تكتب: إلى أولادنا فى 2112م

الإثنين، 21 مايو 2012 07:29 م
غادة محمود تكتب: إلى أولادنا فى 2112م عام 2112

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شاءت الظروف أن أدخل فى نقاش حاد مع صديقى "الفل حتى النخاع" وكان النقاش محتدمًا حول ماهية الأحق بالرئاسة، حوار علت فيه الأصوات وارتفع فيه ضغط الدم وأزيز الصداع النصفى حتى انتهى بجملته التى ألجمتنى: "اعلمى أن المنتصر سوف يكتب التاريخ!" وأخرستنى عبارته، ماذا لو كانت تلك هى الحقيقة؟ وماذا لو كان المنتصر مواليًا لحكم المخلوع وأمر حاشيته بصياغة جديدة لتاريخ ثورة يناير 2011؟ هل سيأمرهم بأن يسموها "هبة شعبية" أو"انتفاضة حرامية"؟ وتخيلت تلك الكتب المزيفة تجول بين أيدى أحفادنا عام 2112 تحكى قصة هؤلاء البؤساء الذين هرعوا إلى ميدان التحرير منكرين الجميل لمن عدل بينهم ثلاثين عامًا ومنددين بحكمه حتى كان من الحكمة بمكان إلى أن تنازل عن عرشه إرضاءً لشعبه وإبقاءً على مصلحة وطنه! تخيلت تلك السطور المقيتة التى سيقرؤها أبناؤنا وفار دمى، وعلى غرار مبدأ "الرسالة فى زجاجة" التى كانت تلقى قديمًا فى البحار فتحملها المياه سنين حتى تظهر فى موعد قدر لها وتكشف فيه ما ستر من خبايا، فها أنا قد قررت أن أنشر تلك القصاصة عسى أن يجدها أحد أبناء 2112 المهتمين بالعبث فى الأشياء القديمة فيجد رسالتى إليه وإلى التاريخ، وإليهم أقول:

-اعلموا يا أحفادى أن ثورة المصريين عام 2011 كانت ثورة طاهرة لا يشوبها دنس قام بها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لدرء ظلم وقهر عن شعب عانى معاناة تخور لها قوى الجبال وتلك شهادتى إليكم، فاحفظوها وعلموها أبناءكم حتى تنتصروا لأمة ظلمها حكامها قبل أن يظلمها التاريخ نفسه:

- اعلموا أن المصريين قبل الثورة كانوا قد جاعوا ويئسوا وهاجروا سعيًا للرزق فى الداخل والخارج، فأما من هاجر داخليًّا فقد عادت جثته محترقة فى قطارات الصعيد بينما كان فرحًا لقضاء إجازة العيد مع أهله، وأما من هاجر خارجيًّا فلم تعد جثته أصلاً إذ أكلتها الأسماك بعد أن اهترأ صاحبها فى الماء منتظرًا النجدة لثلاثة أيام دون جدوى بعد أن غرقت العبارة التى تقله وهرب صاحبها ولم يحاسب بذنبه.

- اعلموا أن الشعب قد أثقلته الفاقة والحاجة والجوع والمرض فخرج يوم 25 يناير من ذات العام مطالبًا بثلاثة مطالب لم يعتبرها مزورو التاريخ كريمة، وقد كانت "عيش" "حرية" "عدالة اجتماعية" فما كان منهم إلا أن أسالوا دماء طالبيها، دماء شابة نقية تستطيع أن تتوضأ بها لطهارتها إن نقص الماء!

- تغلبت قوى الشعب على الطاغوت وأسقط فى يده وأولينا أمرنا من وثقنا بهم، فأهدونا صورة لمارد عسكرى يحمل طفلاً رضيعًا يرمز إلى عدم أهلية الشعب لحكم نفسه بنفسه لتبدأ سلسلة اللامفهوم واللامعقول، وإنى لأعلمكم أنه من ادعى عليكم أنه قد فهم ما كان يحدث كل ليلة فقد كذب، فإنى لأكتب إليكم الآن ونحن نعيش تلك الفترة ونعاصر هذه الأحداث ورغم ذلك فلا أحد منا يجرؤ على ادعاء الفهم لأنه ببساطة هناك مصريون يقتلون الآن فى الشوارع فلا عرفنا القاتل ولا لماذا راح القتيل.

- اعلموا أننا ما فعلنا ذلك إلا خوفًا على مستقبلكم وحرصًا على أيام أجمل تعيشونها، فإن كنا نجحنا فى ذلك فلتترحموا علينا ولتضعوا رياحين على قبورنا أما إن كنا قد قضينا قبل ذلك وصار حظكم كأجدادكم المناضلين ولم تنالوا وفرة من السعادة تمامًا كما كنا، فاصنعوا كما صنعنا وحاولوا حتى وإن سرقت منكم ثورتكم، فإن نجحتم فانثروا على قبورنا شيئًا من دماء من ظلمنا وإياكم.

ولكم منى السلام يا أبناء مصر 2112.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة