احتشد آلاف من الإسلاميين المتشددين وهم يرفعون رايات سوداء عليها آيات قرآنية فى وسط مدينة القيروان التونسية، أمس الأحد مطالبين بدور أكبر للإسلام فى دولة اعتبرت طويلا واحدة من أكثر الدول العربية ميلا للعلمانية.
وانطلق مؤيدو حركة أنصار الشريعة - وهى من أكثر الجماعات الإسلامية تشددا فى تونس - من جامع القيروان فى استعراض للقوة من المرجح أن يثير قلق العلمانيين، وبعد أن كانوا فى السجون أو يعملون فى السر قبل الانتفاضة التى أطاحت بالرئيس التونسى العلمانى زين العابدين بن على أصبح ظهور الإسلاميين أكثر وضوحا فى تونس.
وأمس الأحد توافد السلفيون من شتى أنحاء البلاد على مدينة القيروان وكثير منهم ملتحون يرتدون جلابيب بيضاء وعمامات، كان عدد من الخطباء الذين تحدثوا فى المؤتمر الوطنى الثانى لأنصار الشريعة مسجونين بتهم متعلقة بالإرهاب إما فى تونس أو فى السجن الحربى الأمريكى فى جوانتانامو بكوبا.
ووسط تكبير المؤيدين قدم الزعيم الفعلى لأنصار الشريعة سيف الله بن حسين الشهير بأبى عياض رؤية الحركة لتونس جديدة يجرى فيها إصلاح الإعلام والتعليم والسياحة والتجارة وفقا لتعاليم الإسلام.
وقال أبو عياض لمؤيديه أن الحل لمشاكل المتضررين فى قطاعات السياحة والتجارة يكمن فى القضاء على الربا، ودعا إلى إقامة نقابة عمال إسلامية للتصدى للنقابات القوية التى يهيمن عليها العلمانيون والتى اصطدمت مرارا مع الحكومة التى يقودها الإسلاميون فى تونس لكنه قال إن الحركة ستتبنى الحوار لا العنف.
ووجه حديثه للمسئولين عن السياحة فى تونس قائلا إن هذا القطاع لم يشهد طوال عام هجوما واحدا على فندق أو سائح، وقال إن السلفيين يتحلون بضبط النفس، ورغم أن الإسلاميين لم يلعبوا دورا فى الثورة أصبح الصراع حول دور الدين فى الحكومة والمجتمع من أكثر القضايا التى تحدث انقساما فى السياسة التونسية.
ويطالب السلفيون بدور أكبر للشريعة الإسلامية فى تونس مما يثير قلق النخبة العلمانية التى تخشى أن يسعى الإسلاميون إلى فرض وجهات نظرهم، وفى النهاية تقويض الديمقراطية الوليدة فى تونس، وبعد أن فاز حزب النهضة الإسلامى المعتدل فى الانتخابات التى جرت فى أكتوبر ويقود الآن الحكومة اختار أن يحكم من خلال تشكيل ائتلاف مع حزبين علمانيين، وأعلن أنه لن يسعى إلى فرض الشريعة الإسلامية وهو ما أثار استياء السلفيين الأكثر تحفظا.
وقالت بعض الصحف التونسية العلمانية أن المؤتمر الذى عقد أمس الأحد سيشهد لحظة انفصال السلفيين فى تونس - ومن بينهم متعاطفون مع القاعدة - عن النهضة، لكن أبو عياض قال إن السلفيين لن يصطدموا مع إسلاميين آخرين رغم ما يبدو بينهم من خلافات ظاهرية، وأضاف أن العلمانيين يريدون أن يحدث انقسام بين السلفيين والتيارات الإسلامية الأخرى لكنه قال إن هذا لن يحدث لأن الإسلام يمنع هذا.
وتعرض الإسلاميون لقمع شديد تحت حكم بن على، حيث كان يخضع الملتحون أو المترددون بانتظام على المساجد للمراقبة، ولم يكن ارتداء الحجاب محبذا ناهيك عن النقاب، وهم يقولون الآن أنهم يمارسون حقهم فى التعبير عن رؤيتهم مثل أى تونسى آخر.
وقالت امرأة منتقبة: "انتظرنا هذه اللحظة.. هذه الحرية طويلا. تحت حكم بن على كنت ارتدى الحجاب لكننى لم أكن على حريتى"، بعد الثورة أصبحت أشعر بحرية أكبر فى أن أكون أكثر تدينا وكلما تعمقت فى دينى كلما شعرت بسلام أكبر".
وقال سلفيون فى المؤتمر أنهم لا يسعون لمنع الخمور أو فرض الحجاب لكنهم سيعملون على نشر مبادئ الإسلام بالوعظ والحوار، لكن منتقدين علمانيين يخشون أن يسود تدريجيا التيار الأكثر تشددا ويريدون أن يحد النهضة من التطرف الدينى، وتساءلت صاحبة متجر غير محجبة قرب جامع القيروان "أحقا هم بالآلاف؟ هذه أول مرة أراهم بهذه الأعداد، هذا مخيف".
