لم يعد أحد قادر على امتلاك الثقة الكاملة فى أن يصدر قرارا، خاصة إذا كان هذا القرار يخص الرأى العام، لأنه سوف يجد الكثيرين مما يشككون ويكذبون فى قراره، هذه هى الحالة السائدة فى مصر، فالجميع يرون أنهم فاهمون فى كل شىء لذا هم جاهلون بكل شىء.
فمصر أقوى ما كان فيها هى مؤسساتها التى كان لكل منها عملة التى تقوم به وتتخذ كافة التدابير اللازمة لضمان استقلالها، لكن الآن الوضع اختلف تماما فالكل أصبح يتدخل فى عمل الآخر، وانتشرت أشكال العناد والرغبة فى فرض السيطرة من مؤسسة على أخرى.
ظهر هذا الأمر بقوة من تداخل وتضارب بين السلطات، خلال هذه الفترة لما شهدناه من مناوشات وعمليات شد وجذب بين أطراف السلطة فى مصر، خاصة ما يحدث بين المجلس العسكرى البرلمان والسلطة القضائية، وهذه بعض من الأمور التى تشعرك بالتيهة فى اتخاذ القرارت.
_ البرلمان يطالب بسحب الثقة من الحكومة، فيرد عليه المجلس العسكرى بأن هذا ليس من اختصاصه، ثم يتراجع البرلمان عن هذا المطلب، وبعد ذلك يؤكد القضاء أن البرلمان له أحقية فى سحب الثقة من الحكومة.
_ يشكل البرلمان اللجنة التأسيسية للدستور، ثم يقابل بالهجوم والنقد ليتراجع ويوافق على أن تكون اختيار اللجنة توافقيا.
_ يصدر البرلمان قانون بتعديل عمل المحكمة الدستورية العليا وصلاحيتها، وبيان من القضاء بعد أحقية البرلمان فى ذلك.
_ القضاء الإدارى ببنها يصدر حكما بوقف انتخابات الرئاسة، والمحكمة الإدارية العليا تقر بعدم صلاحية هذا القرار والانتخابات فى موعدها.
_ الحكومة توافق على قرض البنك الدولى لحاجة مصر إليه ونواب البرلمان يرفضون لأن هذا القرض يؤدى إلى جهنم.
فالكل أصبح يرى أنه فقط على صواب وأن الآخرين لا يفهمون فى شيئاء، ثم ينتقل هذا الوضع المتخبط ليلقى بظلاله على الشارع، فلم يعد هناك أحد يحترم القانون، الشعب يرى أن المجلس العسكرى أخطأ فى إدارة المرحلة الانتقالية، والبرلمان يعترض على كل شىء، حتى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة التى تضم قامات القضاء فى مصر.
لا أعلم سبب هذه اللخبطة والحيرة التى تخيم على المؤسسات المصرية فى اتخاذ القرارات، هل سبب ذلك هو التقصير من الجهة التى تصدر قررا دون إتقان دراسته، أم أن القضية تحال إلى جهة غير مختصة، أم عدم الشفافية والوضوح فى تناول القضية والافصاح عنها الذى يأخذنا إلى ذلك.
سواء عرفنا السبب أم لم نعرفه، الأهم أننا عرفنا أن المؤسسات فى مصر تواجه مشكلة كبيرة، وتعيش حالة من التدهور، ولكى يعاد بناء هذه المؤسسات بشكل يتناسب مع الدولة المصرية الجديدة، يتطلب ذلك التكاتف والمصالحة من الجميع وإعلاء مصلحة الدولة فوق المصلحة الخاصة.
