فى إحدى حلقات برنامج «تاراتاتا» والذى بثته قناة الحياة وكانت ضيفته الفنانة الكبيرة الراحلة وردة وكان معها الفنانة نوال الزغبى وديانا كرازون ورضا العبدالله، لم أصدق تواضع وردة وهى فى صحبة عدد من الأصوات التى تنتمى لأجيال مختلفة، هم كانوا يحيطون بها كمن يتأملون أيقونة خالصة من الفن، وهى كانت تنظر لهم بحب وتواضع تغنى معهم وتثنى عليهم، وعلى أدائهم، وكانت على علم بما يقدم كل منهم من أغانى، وتدرك جيدا الفرق بين جيلها وتلك الأجيال.
هذه اللقطات التى استدعيتها سريعا بمجرد أن علمت بخبر رحيل المطربة العملاقة وردة، وأدركت أن أصحاب المواهب الحقيقية هم الأكثر تواضعا، والأكثر تأملاً، وردة لم تنظر لأحد من المطربين الشباب يوما من برج عاجى ولم تتعالى عليهم، والعكس تماما هو الصحيح، فهى كانت تعرف أن الفنان الحقيقى هو من يستطيع أن يستوعب تغيرات الزمن، ليس فقط على مستوى الشكل والملامح، ولكن أيضا على مستوى تطور الموسيقى وشكل الكلمة واللحن، ومن هذا المنطلق تعاونت فى ألبومها الأخير «اللى ضاع من عمرى» مع مروان خورى ومحمد يحى وخالد عز.
وردة من مطربات الزمن الجميل عاصرت المواهب الكبيرة وعملت وتعلمت منهم الكثير، فهى كبرت فى وسط جيل لن يعوض فى الكتابة والتلحين والتوزيع، رحلت فى هدوء، تاركة مشوار غنى وشديد الثراء من الألحان والكلمات غنتها بصوتها الذى من الصعب تكراره، كما وصفه الموسيقار الكبير عبدالوهاب بأنه صوت «يحمل الصهللة والفرحة».
وكانت الراحلة فى كل حواراتها تؤكد أن الفن بالنسبة لها يعنى الهواء الذى تتنفسه ولا تستطيع العيش بدونه، فهو يجرى فى دمائها، وكذلك التمثيل، وذلك منذ اللحظة الأولى التى عرفت فيها طريق الغناء، والذى مارسته فى بداية مشوارها دون احتراف، حيث كانت تغنى أغانى لكبار المطربين فى الوطن العربى، ومنهم أم كلثوم وأسمهان وعبدالحليم فى ملهى «طام طام» الذى كان يملكه والدها فى باريس»، وكان يستقبل على خشبته كبار المطربين العرب أمثال فريد الأطرش وصباح وغيرهما. واعتادت وردة وهى صغيرة استراق السمع لأولئك المطربين وهم يؤدون فقراتهم الغنائية، وتزامنت هذه الفترة من حياتها مع الاستعمار الفرنسى للجزائر.
ودون أن تدرى تحول الملهى الليلى إلى مركز للمقاومين ومخبأ لأسلحتهم وعتادهم، وكثيرا ما حملت تلك السيدة العظيمة وهى لم تنفض عنها بعد غبار الطفولة أسلحة ومنشورات فى حقيبتها المدرسية وهى لا تدرى، ولكن سرعان ما امتدت يد الخيانة إلى المقاومة والمقاومين بملهى والدها الوطنى ليلقى بهم المستعمر فى غياهب السجن، وتصبح وردة وحيدة بعد غياب والدها الذى كان يشغل منصبى الأم والأب، ولما بلغت السادسة عشر أفرج عن والدها، وتم ترحيله عن فرنسا لتحط الآنسة الصغيرة الرحال ببلاد المغرب لكن سرعان ما انتقلت وأسرتها الصغيرة إلى موطن والدتها «لبنان» وهناك عادت إلى الغناء بـ«طانيوس» وهو أحد أشهر الملاهى.
وفى ليلة من الليالى كانت وردة كعادتها تطرب الحاضرين بصوتها البهى القوى، كان هناك جالس يرهف سمع أذنيه طربا لها، الموسيقار «محمد عبدالوهاب» الذى أبدى إعجابه بصوتها ودعاها للحضور إلى مصر.
قدمت لمصر سنة 1960 بدعوة من المنتج والمخرج حلمى رفله الذى قدمها فى أولى بطولاتها السينمائية «ألمظ وعبده الحامولى» ليصبح فاتحة إقامتها المؤقتة بالقاهرة، وطلب رئيس مصر الأسبق جمال عبدالناصر أن يضاف لها مقطع فى أوبريت «وطنى الأكبر»، وبدأ نجم وردة فى الصعود كواحدة من أجمل وأقوى الأصوات العربية، إلى أن وقعت الأزمة بعد انتشار شائعة تردد أن هناك علاقة جمعت وردة بالمشير، وهى الواقعة التى اختلفت الروايات حولها، ولذلك صدر قرار بإبعاد وردة عن مصر، ولم تتوقف وردة عن حبها لمصر ورغبتها فى العودة فهى مثلما حققت شهرتها بمصر وقعت فى غرام البلد وأهله وناسه، ولم تيأس، حتى عادت إلى مصر فى السبعينيات، وانطلقت مسيرتها الغنائية من جديد، بعد زواجها من الملحن المبدع بليغ حمدى، والذى قدمت معه مجموعة من أهم الألحان «العيون السود» و«مستحيل» «أكذب عليك» و«فى يوم وليلة» و«حنين» وغيرها، حيث أعاد بليغ اكتشاف صوتها، وشكلا معا ثنائيا فنيا رغم انفصالهما فى عام 1979.
ولم تنقطع علاقة بليغ الفنية والشخصية بوردة حتى أواخر أيام حياته، حيث كان بالنسبة لها قصة الحب الأكبر فى حياتها والتى لم يكتب لها النجاح، وتعاونت وردة أيضا مع كبار الملحنين حيث قدم كل واحد منهم صوتها بشخصية مختلفة، فوردة مع بليغ كانت تختلف عن وردة مع سيد مكاوى أو محمد عبدالوهاب أو رياض السنباطى، رحلت وردة وسيبقى عبيرها عبر أغانيها التى تتنفسها مختلف الأجيال.
موضوعات متعلقة:
◄اليوم.. جنازة شعبية لوردة.. ودفنها بمقبرة "العالية" مع زعماء الجزائر
◄وصول طائرة الرئاسة الجزائرية لمطار القاهرة لنقل جثمان وردة
◄وردة فى آخر حواراتها الصحفية: أتمنى رئيساً شاباً لمصر
◄حفل تأبين لوردة.. ومسيرة للفنانين من مسجد صلاح الدين إلى منزلها بالمنيل
◄هانى شاكر: وردة كانت فنانة عظيمة بقلب طفلة
◄مدحت صالح: وردة كانت بالنسبة لى أمى
◄نجل المطربة وردة: دفن والدتى غداً بمقبرة "العالية" بالعاصمة الجزائرية
◄وزيرة الثقافة الجزائرية: وردة أحد أروع الأصوات فى الجزائر والعالم العربى
◄اليوم.. جنازة الفنانة الراحلة وردة فى مسجد صلاح الدين بالمنيل
◄شيرين وأنغام وساندرا ودرويش فى منزل الراحلة وردة
◄بالصور.. الحزن يخيم على منزل وردة بالمنيل.. سفير الجزائر يسهل إجراءات نقل الجثمان.. توافد كبير من الجالية الجزائرية لإلقاء نظرة الوداع.. بوتفليقة يرسل طائرة خاصة لنقلها.. ابنتها ترفض دخول الإعلاميين
◄"الأبنودى": انتخابات الرئاسة ستمنعنا من تكريم "وردة"
◄رحيل المطربة الجزائرية وردة عن 73 عامًا.. ودفن جثمانها بالجزائر
عدد الردود 0
بواسطة:
جورج ايمن
رحمها الله رحمه واسعه
فوق