محمد الفاروق يكتب: الميزان المقلوب

السبت، 19 مايو 2012 01:00 م
محمد الفاروق يكتب: الميزان المقلوب صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ح فى الأفق السياسى المصرى منذ فترة مصطلح الرئيس التوافقى، وأقترن اسم منصور حسن بتلك الفكرة ليكون هذا الرئيس التوافقى، ولكن سرعان ما تبخرت هذه الأقاويل بعد أن قُوبلت بالرفض والاستهجان بل والتهكم من قِبل أغلب القوى الفكرية والسياسية، بدعوى أنها إحدى تمريرات المجلس العسكرى، لإجهاض الثورة والالتفاف على الإرادة الشعبية، ذلك لتنافيها مع المبادئ العامة للديمقراطية القائمة على الاختيار الحر من متعدد.

ومع مرور الوقت واحتدام معركة الانتخابات الرئاسية، وما بين تقدم وتأخر فى مواقع ومواقف بعض القوى السياسية والمرشحين، ومروراً بإعلان القائمة النهائية للمرشحين، أعيد طرح فكرة التوافق حول شخص الرئيس من جديد، ولكن فى هذه المرة حظيت بقبول وترحاب وسعى بعض القوى الفكرية والسياسية.

فى إيجاز شديد سطر القلم تناقضاً فكرياً وسياسياً أمام موقفاً واحداً، من واقع مؤلم ملىء بالمتناقضات نخوض فيه منذ عام ويزيد، فعلى الرغم من ثبات المعطيات والتغير الزمانى القريب غير المؤثر بفاعلية على الأحداث؛ إلا أننا دائما ما نجد نتائج وردود أفعال متناقضة !
من المؤكد أنه فى ظل هذا المناخ غير السوى والملبد بغيوم التناقض، ووجود أكثر من ميزان والكيل بمائة مكيال، أن تصبح العقول أرضاً خصبة لكل آفاق أثيم يريد أن يتلاعب بها، ويسهل على المتلونون تلبيس الحق بالباطل- والباطل بالحق.

وهذا إن دل فإنما يدل على وجود نوايا سيئة وأطماع يخفيها البعض ممن يطفون فوق سطح مستنقع الأحداث الآن، ومن البديهى أن يصب هذا التخبط والتناقض والالتباس فى صالحهم، حتى يتثنى لهم تحقيق ما يصبون إليه.

فالبعض الآن يتخذون من المفاهيم المجردة ومنها التوافق، وسائل يستخدمونها ويطوعونها وقتما وكيفما يشاءون من أجل تحقيق أهدافهم وأطماعهم، ذلك كلما شعروا أن البساط يسحب من تحت أقدامهم.

فوفقاً لأى منطق أو معيار تتعامل القوى السياسية مع مقدرات هذا الوطن ومع الثوابت والمجردات التى لا جدال فيها، فكيف يتم تجاهل التوافق كوسيلة وجوبية هى الأنسب ليتم عن طريقها تشكيل أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ثم بعد فترة زمنية وجيزة يتم السعى وبقوة ومن نفس القوى، إلى التوافق حول أى شخص كان من كان، سيتم اختياره من بين العديد من المرشحين المتقدمين لانتخابات الرئاسة، وستكون الوسيلة الوجوبية الوحيدة هنا صناديق الاقتراع ؟!

أى توافق مزعوم هذا ينادون بيه، أين كان التوافق بعد نجاح الثورة على مجلس قيادة يحدد مسارها تفادياً لتخبطها، أو على رئيس أو مجلس انتقالى مؤقت ليدير شئون البلاد بديلا للمجلس العسكرى، وتجنباً لكل الأحداث المأساوية التى وقعت، أما وقد مر الوقت على ذلك ولم نفلح فى استخدام التوافق كوسيلة بشكل مقصود فى توقيتها المناسب وانتقلنا إلى منطقة أخرى لها وسائلها المختلفة، فأنى يكون التوافق على شخص سيتم انتخابه شعبياً، أنى يكون التوافق القائم فى الأساس على العنصرية الفكرية، إنه ليس توافقاً وإنما تكتلاً مبنى على الاتفاقيات والتعهدات الخفية بل وربما البيعات، إنه التفاف على الإرادة الشعبية بتقليص لما هو معروض كماً وكيفاً.

إن ما يحدث يظهر قصور فى الرؤية الفكرية والسياسية وغباء غير معهود من بعض القوى، واعتلال فى الوعى؛ وعدم إدراك، لأهمية المرحلة الحالية، فمصر تمر بسابقة تعد الأولى من نوعها على مدار تاريخها السياسى، وأن الشعب مُقبل على انتخابات رئاسية، وللمرة الأولى سيختار الشعب رئيسة فى انتخابات حرة ونزيه، كما حدث مؤخراً فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى.

وبات واضحاً أن السلطة ببريقها لديها قدرة سحرية على استدراج النفس البشرية وامتلاكها بقدر ما ترغب النفس فالعلاقة تبادلية، فهذه القوى قد استدرجها البريق الخداع مبكراً، وتحاول بشتى الطرق تطويع كل الآليات المشروعة لتحقيق أهداف خاصة تحمل الكثير من عدم المشروعية، مبررين لأنفسهم ذلك بأنها مرحلة التمكين !

أيها السادة المفكرون، والسياسيون، والدعاة، والمرشحون، وأعضاء المجلس العسكرى، أيها المصريون، نهيب بكم جميعاً، إن أى تلاعب فى العملية الانتخابية، سواء كان تلاعباً ورقياً أو فكرياً، أو حتى محاولة تقليل ما هو موجود من مرشحين كماً أو كيفياً تحت أى مسمى أو شعار، سيجعل من بدايتنا بداية خاطئة بل وباطلة، وما تزرعه أيدينا اليوم نجنى ثماره فى الغد.

استقيموا يرحمكم الله، وذروا الأطماع والمكاسب الشخصية، وأقيموا الوزن بالقسط فى جميع أموركم ولا تخسروا شعبكم وقدموا الوطن؛ وصالح الأعمال وأنفعها للعامة أمام أعينكم، كى يتقبل الله منا ومنكم، فإن الله طيب لا يقبل إلا خير الأعمال وأطيبها، فخيركم هو أنفعكم للناس.

فالحدث جلل، ولم يتبق لنا سوى أيام معدودات على وجود رئيس منتخب بشكل شفاف ونقى، والشفافية والنقاء سلاح ذو حدين، إما أن تجعل من شخص الرئيس القادم شمعة تضىء لنا ظلمة نفقنا، لنبدأ من بعدها فى تحسس خطانا للخروج إلى النور، وإما شمعة تحرقنا ونهوى جميعاً من ظلام إلى ظلمات فى حال العبث مع شفافية ونقاء العملية الانتخابية.
دعونا لأول مرة نستن ما إذ أحسنا واتقنا صنعه وتمسكنا بيه من البداية فلن نضل الطريق، وفى الطريق محطات نقوم فيها بترسيخ القواعد والثوابت والآليات والوسائل الصحيحة كلا فى مكانه وتوقيته المناسب، كى نصل فى النهاية إلى هدفنا المنشود، وتباعاً تسير الأجيال القادمة.

فهكذا تبنى الأمم بالأخلاق والعلم والتخطيط المتقن لا بالأطماع والأهواء الشخصية والتخبط، والتخطيط يبدأ بوضع المعايير الموضوعية لاختيار الأفراد، ثم تحديد الأهداف المنشودة بوضوح، ثم اختيار الوسائل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، وأخيراً وضع جدول زمنى للانطلاق، فهل سنظل ندور داخل دائرتنا أم سننطلق إلى أعلى آفاق العالم ؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة