بعد انتهاء اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز فى مصر، 10 مايو الجارى، قال وزير خارجية مصر إن السياسة الخارجية المصرية ثابتة، مشيرا إلى أن تنظيم الاجتماع الوزارى لحركة عدم الانحياز فى شرم الشيخ أكد أن مصر لديها الإمكانات والقدرات دائما للقيام بدورها التاريخى، وكان هذا الكلام ردا على سؤال أحد الصحفيين حول دور مصر مع تغير الخريطة السياسية، والتحديات الداخلية. ويبدو واضحا أن هذا السؤال من الأسئلة الاستنكارية التى يقصد بها إحراج المسؤول، إذ أراد صاحب السؤال من الوزير أن يعترف بأنه لا توجد سياسة لعدم الانحياز، وأن الأمور أصبحت شكلية، ولكن خاب أمل الصحفى، فليس من المتصور أن يعترف وزير مسؤول بخطأ سياسة الحكومة التى يمثلها، حتى لو كان يعتقد ذلك فى قرارة نفسه.
وتأكيدا لخرافة عدم الانحياز فى هذه الأيام، يتعين أن نعرف أن سياسة عدم الانحياز فرضت نفسها على مجموعة «الحياد الإيجابى» التى تأسست فى باندونج 18-24 إبريل 1955، وآنذاك كانت الحرب الباردة فى عنفوانها، وأرادت هذه الدول التى كانت فى الأصل مستعمرات لدول الغرب الأوروبى أن تبتعد عن طرفى الحرب الباردة، فلما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فى إبريل 1961 القضاء على حكم فيدل كاسترو فى كوبا، باعتباره حكما شيوعيا، وشنت هجوما بالطائرات على خليج الخنازير فى كوبا، تحرك الاتحاد السوفيتى لمساندة كاسترو، وكادت تحدث مواجهة بالصواريخ العابرة للقارات بين أمريكا والاتحاد السوفيتى لولا «حكمة» الرئيس جون كينيدى، وكان فى أول عهده بالحكم، وعندئذ أصبحت مجموعة الحياد الإيجابى فى مأزق، إذ إن تأييد كوبا فى تحررها يضعها فى مأزق التبعية للاتحاد السوفيتى، ومن هنا، وتأكيدا لسياسة الحياد الإيجابى، تمت إضافة مبدأ «عدم الانحياز» فى سبتمبر 1961 فى بلجراد، بمعرفة الرئيسين تيتو وعبد الناصر، وبحضور دول الحياد الإيجابى، تأكيدا لاستقلال الإرادة بعيدا عن الشرق والغرب. وشرح «ناصر» سياسة عدم الانحياز فى كلمات بسيطة، فقال إنها تعنى إقامة تكتل دولى من أجل السلام العالمى، والرخاء، والحرية، وصيانة ودعم مسيرة الدول المتخلفة نحو التقدم، وذلك يستلزم عدم التورط فى التبعية للتكتلات الدولية، سواء أكانت اثنين أم ثلاثا، فما كان من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن وصفت الحياد الإيجابى وعدم الانحياز بالموقف «اللاأخلاقى Immoral»، أى ليس لأى دولة فى العالم إلا أن تنضم لأحد المعسكرين.
وبرحيل الزعماء الذين وضعوا سياسة عدم الانحياز بدأت الولايات المتحدة تخترق المجموعة، حتى أصبح عدم الانحياز، وقبل انتهاء الحرب الباردة أواخر 1991، حبرا على ورق، وتم طى كل دولة تحت جناح النسر الأمريكى بالمساعدات الاقتصادية، ومع هذا ظلت مؤتمرات عدم الانحياز تعقد هنا وهناك من باب إبراء الذمة، والتغطية على انحياز دول عدم الانحياز إلى المعسكر الغربى، حيث تحضر هذه المؤتمرات دول منحازة تماما، وعلى أرضها قواعد عسكرية أمريكية، وهذا معناه فى النهاية أن هذه الدول تجتمع لتبرر انحيازاتها تحت عنوان «عدم الانحياز». صحيح أن عدم الانحياز مطلوب تدعيما لاستقلال الشعوب، لكن هل يمكن لدول منحازة أن تحمى شعوبا تريد أن تتمسك بالاستقلال والوطنية؟!.. أم أن المقصود جرّها إلى الانحياز لأمريكا لصالح الروابط الأمريكية - الإسرائيلية؟!
فإذا كانت هذه الدول التى تدّعى عدم الانحياز تريد أن تكون غير منحازة فعلا، فعليها أن تنسحب جميعها من هيئة الأمم المتحدة، وتؤسس منظمة جديدة باسم «منظمة الدول غير المنحازة»، تتعاون فيما بينها من أجل رخاء شعوبها وتأكيد استقلالها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم
تمام