بشير العدل

برلمان لتصدير الأزمات

الأربعاء، 16 مايو 2012 09:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يقطع الإنسان شوطًا على طريق ما، وفجأة يجد نفسه عند نقطة البداية، فمعنى ذلك أنه يسير فى طريق خطأ، وأنه إذا استمر على نفس الدرب وبنفس الأسلوب، فإن خطواته لا محالة تنتهى إلى الفشل الذريع رغم ماقد يكون بذله من جهد، وعندما تنتهى الأمور بدولة ما بعد شهور وسنوات من الصراع والنضال من أجل التحول الديمقراطى إلى حيث بدأت، فمعنى ذلك أنها تتخبط سياسيًا، وأنها لن تحرز تقدمًا فى أى استحقاق لشعبها، وعندما يتحول النظام البرلمانى فى أى دولة إلى مصدر للأزمات وافتعالها، ويتخصص فى تفصيلها على مقاس أفراد أو فئات أو حتى جماعات بعينها، فمعنى ذلك أن سلطة الرقابة والتشريع فى تلك الدولة، تحولت إلى أداة لتصفية حسابات بين القوى والتيارات اللاعبة على الساحة السياسية.
والفارق بين الفرد والدولة والنظام البرلمانى، أن الفرد يمكن أن يتم التماس العذر له، نظرًا لعدم خبرته الكافية، أو عدم تمتعه ببصيرة تهديه إلى سواء السبيل، وتكون النتيجة فى هذه الحالة غير مؤثرة على المجتمع، نظرًا لارتباطها بفرد رغم سلبيتها، أما بالنسبة للدولة فإنه ليس مقبولا التماس أى عذر، نظرا لارتباطها بحياة المواطنين، أما فى البرلمان فإن المبررات التى يقدمها لتفصيل الأزمات وتصديرها، تكون أقبح من أى ذنب يتم ارتكابه فى حق الشعب، باعتباره البرلمان ممثلا له.

كل تلك النماذج سابقة الذكر، أصبحت واقعا يعايشه أبناء بلادى مصر بشكل يومى، وذلك رغم مرور قرابة عام ونصف العام على أحداث يناير 2011، التى كان ينظر إليها البعض على أنها نهاية مرحلة قاتمة فى تاريخ مصر السياسى، وبداية مرحلة سياسية أكثر نضجا، واحترامًا لحقوق الإنسان.

أصبحت الدولة تدور فى حلقة مفرغة، بعد أن عصفت المتغيرات السياسية بالقاعدة التى تمثلت فى الإعلان الدستورى، الذى استفتى عليه الشعب فى مارس من العام الماضى، والتى انطلقت منها الدولة لبناء النظام الديمقراطى الوليد، الذى ينشده الشعب، ونظرًا لأن تلك القاعدة كانت واهية فلم تسمن أو تغنى من فائدة على أبناء بلادى، وأصبحت الحياة السياسية برمتها معرضة للبطلان والتشكيك فى صحتها الدستورية، وذلك لعدم إيمان كل الأطراف الفاعلة بالقاعدة، التى انطلقت منها، وقد يكون ذلك لأسباب ضعفها أو عدم مواءمتها للمتغيرات الجديدة، وأيضا لعدم احترامها من جانب التيارات السياسية، التى ترى فيها عائقا أمام تحقيق أهدافها.

فلم تبرح الدولة أن وافقت على التعديلات الدستورية، واعتبرتها القاعدة حتى خضعت ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره القائم على سدة الحكم فى البلاد، لضغوط تمت ممارستها من جانب قوى، ترى فى نفسها المخلص لهذا الوطن من كل كوارثه التى توارثها عن نظام مبارك الساقط، حتى تم العصف بالقاعدة وأصبحت الدولة مصابة بشرخ فى جدرانها السياسية.

كل هذه الأمور خلقت حالة من الفوضى السياسية فى البلاد، وأفرزت برلمانًا تخصص فى تصدير الأزمات تارة، وتفصيل القوانين على شخصيات وفئات بعينها تارة أخرى، حتى تحول إلى أداة لتصفية الحسابات، فتارة يصدر أزمة بسبب عدم إقالة الحكومة، وأخرى بسبب عزل بعض رموز النظام السياسى السابق من الحياة السياسية، وثالثة بهدف تعطيل انتخابات الرئاسة، وذلك لحاجة فى نفس يعقوب.

وإذا كان أداء البرلمان على هذه الشاكلة، فإنه لم يعد بيت الشعب أو داره، وإنما أصبح مكانًا لتصدير الأزمات التى تضر بالدرجة الأولى بالمواطن، المفترض فيه أنه انتخب هذا البرلمان، ليكون له مخلصًا من أزمات كثيرة، ظل يعانى منها أيام النظام السابق وبعده، وفى مقدمتها النواحى الأمنية والاقتصادية، إلا أنه تخصص فى افتعال الأزمات والتركيز عليها وكأنها هى التى تمس قضايا المواطن البسيط، فى حين أنها تمثل تحقيقا لأجندة سياسية لتيارات بعينها.

فكانت أزمة إقالة الحكومة، وأزمة قانون العزل السياسى، ومن بعدهما أزمة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وكلها أزمات ليس لها ما يبررها، خاصة أن الشعب يريد إنهاء الفترة الانتقالية بأسرع وقت، وعدم فتح المجال للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإطالتها تحت أى مبررات، إلا أنها أزمات تخصص فيها البرلمان، وأصر عليها حتى أصبح برلمانًا من نوع جديد، برلمان يفصل القوانين ضد أشخاص وفئات بعينها، فى حين أن القاعدة القانونية تقول، بأن أى قانون عند دراسته وينطبق على شخص ما، أو حتى فئة بعينها، فإنه لا يمكن أن يكون قانونًا، ويصيبه العوار الدستورى، وهذا ما ينطبق على كثير من القوانين، التى ناقشها البرلمان، وأصر على إقرارها وفى قانون العزل خير شاهد على ذلك.
وعندى أن برلمانًا بهذه الصورة، إن لم يكن باطلا قانونيا ودستوريا، فهو باطل على الأقل من الناحية الشعبية، ولا يمكن له أن يكون ممثلا للشعب، أو معبرًا عن آماله وآلامه.





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

انشر

هذا طبيعي جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام

الاعلام والاخوان

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام هلال

ال برلمان ال

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة