"رب ضارة نافعة" هذه المقولة تنطبق على الأحداث الدبلوماسية التى وقعت بين السعودية ومصر على أثر قيام بعض الأفراد بمحاولة اقتحام السفارة السعودية فى القاهرة وعلى أثرها قامت السعودية باستدعاء سفيرها وإغلاق السفارة. فبفضل ما حصل عرفنا الحب والتقدير الذى يكنه الإخوة فى مصر للسعودية حكومةً وشعبًا متمثلاً فى الوفد المصرى المهيب ورفيع المستوى الذى زار السعودية للاعتذار عن ذلك التصرف المستهجن، وفى جانب آخر لم يكن للإخوة فى مصر أن يعرفوا بسبب ما حصل مقدار الامتنان والعرفان الذى أبداه السعوديون على المستوى الشعبى فى مواقع التواصل الاجتماعى للإخوة فى مصر واعتبارهم أن ما حصل عند السفارة أو فى بعض وسائل الإعلام لا يمثل رأى عامة الشعب المصرى الشقيق. وأى عتاب حصل بسبب هذه المشكلة من أى من الطرفين فهو عتاب المتحابين الذى لا يغير فى قدر الحب الذى يكنه كل طرفٍ للطرف الآخر.
ومن إيجابيات هذا الحدث أنه استوجب على البلدين أن يعيدا النظر فى طريقة تعامل كل منهما مع الآخر، فالسعودية يجب أن تعرف أنها لم تعد تتعامل مع النظام البائد الذى يتعامل معها بعيدًا عن المصالح القومية للبلدين. ومصر يجب أن تعرف أنها لم تعد تتعامل مع السعودية إلا على أساس المصالح الثنائية المشتركة.
ولذا يجب على السعودية أن تتبنى منهجًا جديدًا فى تعاملها مع مصر كدولة مهمة لها وزنها وثقلها لأنها من اليوم فصاعدًا تتعامل مع نظام شرعى صادق يمثل الشعب، وبالإمكان أن نقول إنها بتعاملها مع نظام يمثل الشعب فإنها تتعامل مع الشعب نفسه، وهذه هى العلاقة المتينة التى لا تتغير بتغير الحكومات. وستستفيد السعودية ومصر من العلاقات الوطيدة بين "الشعبين" فى تحديد المصالح المشتركة والمصير المشترك، وكما هو معلوم فإن أى علاقة دبلوماسية بين دولتين لا تنجح حتى تكون مصالحهما متوافقة ويحدد كل طرف مصالحه لدى الآخر والمقابل الذى سيدفعه عوضًا عنها.
الدبلوماسية السعودية بلاشك، هادئة ومتزنة وذكية. وهى بالإضافة إلى ذلك، بارعة فى عملية مقايضة المصالح وهى تعلم أنها بحاجة إلى مصر بالقدر نفسه الذى تحتاجها به مصر. وفى الجانب الآخر فإن الدبلوماسية المصرية اليوم تعتبر من مواليد ما بعد الثورة وأصبحت تمثل تطلعات الشعب وآماله الذى تعتبره مصدر قوتها وإلهامها ومدار اهتمامها بعد أن كانت فى عصر ما قبل الثورة تخدم مطامع النظام البائد الذى كان يرمى بثقل مصر الإقليمى والعالمى ويرسم دبلوماسيتها بشكل يخدم مصالحه هو، لا مصالح الشعب، مما أفقد الدبلوماسية المصرية شيئًا من مصداقيتها وفوت عليها فرصًا ومصالح كثيرة.
أما الآن فإن الدبلوماسية المصرية الواعدة ستمر بأفضل وأجمل لحظاتها، وستعمل على الاستفادة من العلاقات الدولية وظروف المنطقة والعالم وستضطلع بالدور المطلوب منها والذى يمثل حجم مصر الحقيقى ووزنها فى العالم. وباتفاقها مع الدبلوماسية السعودية التى تعلم مصر جيدًا أنها دولة لها وزنها فى العالم الإسلامى والعالم ككل ولها تأثيرها الواضح فى مسارات العمل الدبلوماسى الذى لا يمكن إهماله، سيكون للبلدين دور كبير فى الملفات الشائكة فى المنطقة وسيقود البلدين الدبلوماسية العربية للنجاح بعد أن سقطت "سهوًا" فى السنوات الماضية.
نايف خالد يكتب: الأزمة السعودية المصرية.. رب ضارة نافعة
الإثنين، 14 مايو 2012 11:10 م