نقلاً عن اليومى..
قبل 4 شهور، وتحديدا قبل الانتخابات البرلمانية أصدرت المحكمة الدستورية العليا العدد العشرين من مجلة «الدستورية»، وهى المجلة المتخصصة فى الشأن الدستورى، حيث تتضمن أهم الأحكام التاريخية التى أصدرتها الدستورية العليا فى جميع القضايا التى فصلت فيها، فضلا عن بعض المقالات لأهم فقهاء القانون الدستورى بمصر.
وخصصت المحكمة الدستورية العليا العدد لنشر الدراسات والمقترحات المتعلقة بنصوص الدستور، ونظرا لقيمة العدد تولى كتابة الافتتاحية أحد أهم القامات القانونية والدستورية بمصر وهو المستشار ماهر سامى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والمتحدث الرسمى باسمها وعضو لجنة التعديلات الدستورية «لجنة طارق البشرى».
المفاجأة، أن افتتاحية المجلة بقلم المستشار ماهر سامى تحولت من مقالة رأى للتأكيد على أهمية الدستور ودوره فى بناء أمة قوية إلى وثيقة لمراجعة النفس والاعتراف وإبراء الذمة لخطأين تاريخيين فى الشأن الدستورى بالمرحلة الانتقالية، أولهما أن الأصل يتطلب إعداد الدستور قبل الانتخابات البرلمانية وليس العكس، والثانى هو أن الدستور القادم فى ظل المادة 60 من الإعلان الدستورى سيأتى انعكاسا لرؤية تيار الأغلبية فى البرلمان بما يعنى أن الدستور سيكون معبرا عن تيار سياسى معين وليس لجميع الشعب.
افتتاحية المستشار ماهر سامى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا لم تزد على 1486 كلمة، لكنها أول اعتراف لأحد أعضاء لجنة وضع التعديلات الدستورية بأنه كان يجب إجراء الدستور قبل الانتخابات، وأن الدستور بالوضع الحالى سيخرج معبرا لتيار سياسى وليس لجميع الشعب المصرى.
اعترافات المستشار سامى ماهر لم تكن اعترافات جافة لمبادئ قانونية إنما كانت اعترافات تعكس فلسفة ومنهجية تفكير وبحسب النص الكامل للمقال، فإن الاعتراف الأول للمستشار سامى ماهر المتعلق بالدستور أولا جاء كالآتى: «لقد تعودت فى حياتى أن أخلو إلى نفسى على فترات متباعدة فى لحظات الأمان المطلق، اختبر فى ذاتى مدى قدرتى على التفكير فى استقامة وتجرد، والتأمل فى عمق وحيدة، ووزن الأمور بمنطق لا يداخله خلل، واستخلاص الحقائق بغير اعتساف، ثم إصدار الأحكام فيما يستقر فى وجدانى أنه عدل لا يخالطه محاباة أو مجاملة، وقد شعرت الآن أنه حل الوقت الذى ينبغى فيه ألا أكتم شهادتى فى مسار الأحداث التى تسارع إيقاعها منذ بداية ثورة يناير المجيدة، وأن أفضى بما تحمله أفكارى وآرائى فيما أعتقد أنه صحيح وسائغ ومبرر حتى لو كانت حقيقته غير ذلك، فهى فى النهاية مجرد وجهة نظر تحتمل هذه وتلك، نعم كان الصواب، والذى يتفق مع طبائع الأمور، والمنطق السليم، وقواعد المشروعية، وحسن إدارة شؤون البلاد، وفق ترتيب متناغم يجنب البلاد كثيراً من الارتباك والاضطراب والتناقض والتصادم والتعقيد، أن يكون الدستور هو البداية.
المستشار سامى لم يذكر فقط المبدأ القانونى السليم بضرورة إعداد الدستور قبل الانتخابات، إنما دلل على موقفه بأن «الدستور قاعدة البناء التى تستند إليها وترتكز عليها إنشاء المؤسسات الأخرى كافة، والدستور هو الذى يتكفل بتحديد النظام السياسى للدولة، وعلاقة السلطات ببعضها، واختيار أسلوب التمثيل النيابى للشعب ومجالسه المنتخبة، والنظام الانتخابى الذى يعتنقه، وهذه كلها هى مراحل بناء النظام الديمقراطى فى مصر».
الاعتراف الثانى للمستشار سامى والمتعلق بالمادة 60 من الإعلان الدستورى، وأن وضع الدستور فى الوقت الحالى لن يكون معبرا عن جميع طوائف الشعب وإنما عن تيار الأغلبية فى البرلمان جاء فى النصف الثانى من المقال، وجاء بتحليل راق يتلاءم مع قلم قاض على النحو الآتى: «لجنة المائة ستتولى مهمة إعداد مشروع الدستور الجديد، وسوف يتوقف على هذا الاختيار وتحديد إطار المنهج السياسى والقانونى والاقتصادى الذى يرسم نظام الحكم فى الدولة مستمداً ومؤسساً على ما تعتنقه أغلبية أعضاء هذه اللجنة من توجهات أيديولوجية أو عقائدية، ولكن هذه الأغلبية من أعضاء اللجنة سوف تقرر عددها من لهم النسبة الأعلى فى التمثيل النيابى من مقاعد المجلسين بما يعنى أن التيار السياسى الذى يمتلك الأغلبية فى المجلسين هو الذى سيفرض أغلبية المؤيدين له والمنحازين لتوجهاته ومبادئه فى لجنة إعداد مشروع الدستور، وفى هذه الحالة فإن أحكام الدستور القادم ستجىء انعكاساً لرؤية هذا التيار، وبالتالى يصبح مشروع الدستور المستفتى عليه دستوراً لأتباع التيار السياسى الذى يحوز أغلبية المقاعد فى مجلسى الشعب والشورى وليس دستوراً للشعب كله.
هنا لابد من التأكيد على أن ما توقعه المستشار سامى قبل 4 شهور حدث بالفعل أثناء تشكيل الجمعية التأسيسية، حيث تشكلت الجمعية فى ظل أغلبية حزب الحرية والعدالة وسط رفض باقى القوى السياسة اعتراضا على الشخصيات المرشحة من قبل حزب الأغلبية واندلعت فى مصر أزمة التأسيسية حتى أصدر القضاء الإدارى حكما بوقف تشكيل الجمعية التأسيسية وإعادة تشكيلها من خارج البرلمان، ومنذ صدور الحكم فى إبريل الماضى وحتى الآن لا تزال القوى السياسة غير قادرة على التوافق واختيار الجمعية.
المستشار سامى أنهى مقالته بعبارة فى غاية الأهمية، مفادها أن وضع الدستور بمنطق الأغلبية هو منطق خاطئ، لأن القراءة الجيدة الواعية لواقع الشعب المصرى تكشف عن أن أى تيار سياسى فى مصر مهما بلغ حجمه اتساعاً وعدداً وتأثيراً لا يمثل فى حقيقته أكثر من نسبة لا تتجاوز فى أقصى الافتراضات مبالغة أكثر من عشرة فى المائة من مجموع الشعب المصرى، وهنا ماذا يفعل التسعون فى المائة الباقون حيال دستور يحكمهم ولا يؤمنون به».
نائب رئيس الدستورية العليا يعترف: أخطاء كثيرة شابت المرحلة الماضية.. الدستور كان يجب كتابته قبل إجراء الانتخابات.. والأغلبية ستنحاز لمصالحها وليس للشعب
الأحد، 13 مايو 2012 07:49 ص