عندما كنت أسمع الرئيس السابق يتحدث عن محدودى الدخل كنت أضع يدى على قلبى فغالباً كان كل حديث عن اهتمامه بمحدود الدخل يتبعه فعل يزيد معاناة هذا المحدود فى كل شىء وليس الدخل فقط ! وعندما كان يتحدث عن اهتمامه بالشباب كان يتبع حديثه حديث آخر دون فعل حقيقى فى معظم الأحيان، رحل الرئيس السابق بحسناته وسيئاته وبقى النظام بكل طلاسمه ومفرداته ومن هذه المفردات الحديث ليل نهار عن الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر وكالعادة صار كل حديث عن دعم وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة يتبعه حديث آخر عن نفس الموضوع ولكن فى وسيلة إعلامية أخرى !
أحاديث وتصريحات شبه يومية لا تسمن ولا تغنى من جوع والواقع مرير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عشرات المشاكل والعقبات تقف فى طريق أى شاب يرغب فى البحث لنفسه عن لقمة عيش وحياة كريمة بعد أن تخلت الدولة عن دورها فى توفيرها له، فبدلاً من مساعدته وشكره على عمله لمشروع صغير يوظف فيه نفسه وآخرين معه راحت تعاقبه وبقسوة غير مبررة بواسطة العديد من جهات التفتيش والرقابة المسلطة عليهم دون هوادة وكأن هؤلاء الشباب من دولة أخرى عدوة لنا حتى الأعداء يقتلون العدو أو يأسرونه مرة واحدة أما نحن فنقتل أصحاب المشروعات الصغيرة مرات عديدة ولكن كل مرة بطريقة مختلفة.
وإذا كان قتل الأعداء يبدأ مع بداية الحرب فإن قتل أحلام الشباب الراغبين فى عمل مشروعات صغيرة يبدأ مبكراً ، فبمجرد تقدم أى شاب للحصول على رخصة لمشروع صغير عليه الحصول على موافقة أكثر من 14 جهة مختلفة وكل جهة تتبع وزارة مختلفة فى مكان مختلف وكل وزارة تتفنن فى تعقيد الشباب، ولذا تجد الرخصة التى تحصل عليها فى دبى فى 24 ساعة، تحصل عليها فى مصر فى 24 شهرا ذلك إن حصلت عليها أصلاً ! والنتيجة هو عزوف الشباب عن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، أو على الأقل إقامتهم لمشروعات بدون تراخيص مما أدى إلى نمو ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى فى مصر والذى أصبح أضعاف الاقتصاد الرسمى.
وإذا كان أحد الشاب من المحظوظين السعداء وحصل على رخصة لمشروعه الصغير هنا تبدأ المرحلة الثانية من القتل أو الأسر وذلك بسجن الشاب لمجرد أن أحد السادة المسؤلين فى أى جهة تفتيشية أو رقابية يريد أن يثبت أنه عمل بجد واجتهاد وللأسف طريقة الإثبات الوحيدة فى مصر هى أن يحرر محضرا لأى صاحب مشروع صغير ! وما أكثر الجهات الرقابية التى تحمل الضبطية القضائية فى مصر، ولذا فنحن بحاجة إلى تغيير فلسفة التفتيش والرقابة على المشروعات الصغيرة فى مصر وتحويلها من جهات تفتيش وقهر إلى جهات تفتيش ونصح وعقاب أيضاً ولكن لمن لا يتستجيب للتوجيه، وأن لا يرتبط حافز الإثابة للموظفين بعدد المحاضر التى يحررونها للناس ليل نهار.
ولذا إننا بحاجة إلى أن نتقى الله فى أنفسنا وشبابنا وأن تكون هناك هيئة أو وزارة مستقلة ترعى شئون المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأن تكون الوحيدة المسئولة عن كل ما يتعلق بهذه النوعية من المشروعات من إجراءات وتراخيص ورقابة وغيرها، فيها يتقدم الشاب بالمستندات الأساسية للحصول على موافقة لمشروعه الصغير ورخصة تشغيل له، ويتولى موظف واحد استلامها منه ويقوم باستيفاء باقى الموافقات من الوزارات والجهات المختلفة والتى من المفترض أن تكون معظمها موجودة لديه بصورة مسبقة، فمثلاً إذا كانت لديه موافقة ما على نشاط ما فى مدينة ما فإن أى مشروع تنطبق عليه هذه الموافقة فى هذه المدينة تكون موافقة هذه الوزارة مجرد ورقة يرفقها الموظف بالطلب ولا داعى لذهاب الشاب بنفسه للحصول عليها وهكذا فى معظم الموافقات المماثلة.
أما جهات الرقابة والتفتيش وما أكثرها فلا يجب أن تتخذ أى قرار يتعلق بشأن أى مشروع صغير دون الرجوع لهذه الوزارة أو الهيئة، ذلك إذا كنا حقاً نريد الخير لوطننا ولشبابنا أما إذا كنا نريد الحديث لوسائل الإعلام فقط دون فعل حقيقى فأقول للجميع ارحموا المستثمر المصرى الصغير يرحمكم الله !
د.على ثابت يكتب: ارحموا المستثمر الصغير يرحمكم الله
الأحد، 13 مايو 2012 07:02 م