عندما نتحدث عن الفساد فى مصر فلابد أن يتبادر إلى أذهاننا مباشرة فترة حكم الرئيس المخلوع مبارك، والتى شهدت أكبر عمليات فساد ونهب منظم لثروات البلاد، حيث تمت زراعة شجرة الفساد برعاية المخلوع وأبنائه ورجاله المقربين وتفرعت تلك الشجرة حتى وصلت فروعها إلى كل مؤسسات الدولة وانتشرت ثمارها الخبيثة ورائحتها الكريهة فى جسد الوطن النحيل وكادت أن تقضى عليه حتى قامت ثورة 25 يناير.
كان هذا الفساد أحد أهم أسباب قيامها والذى استشرى بصورة مخيفة لم تعُد تُحتمل، وكنت أظُن أن أول وأهم عمل سيقوم به عصام شرف عندما كان رئيساً للوزراء والذى جاء للوزارة محمولاً على أكتاف الثوار، هو إنشاء جهاز لمكافحة الفساد والمفسدين جهاز لا يخضع لأى جهة تنفيذية حتى يكون مستقلا فى قراراته وتقاريره ولكن خاب ظنى فى الدكتور شرف وحكومته وجاء الجنزورى وانتظرنا أن يبادر بإنشاء هذا الجهاز فهو يعلم جيدا حجم الفساد المستشرى فى غالبية مؤسسات وقطاعات الدولة.
ويعلم جيداً حجم وهول الفساد الذى حدث خلال العقدين الأخيرين من نهب لأراضى الدولة، والذى أضاع على البلاد مليارات الجنيهات وبيع شركات ومصانع القطاع العام بأبخس الأثمان فى صفقات مشبوه لصالح فئة من الضالين الذين استحلوا الحرام ولم يراعوا مصالح الشعب المسكين الذى يعيش نصفه تحت خط الفقر، ولا يجد شبابه أى بوادر لطاقه أمل تمكنهم أن يحيوا حياة آدمية الأمر الذى دفعهم للمخاطرة بأرواحهم فى هجرة غير شرعية محفوفة بالمخاطر بسبب اليأس من إمكانية إصلاح أحوال البلاد، والأغرب من ذلك أن البرلمان الذى جاء بعد الثورة لم يبادر أعضائه فى تبنى هذا المطلب، مما يثير التعجب! وإننى أدعو الرئيس القادم بمجرد توليه مقاليد الحكم بتبنى هذا المطلب بأن ينشئ جهازاً تكون مهمته الأساسية كشف كل أوجه الفساد التى تمت فى عهد المخلوع وتقديم كل من أفسد فى حق الوطن للمحاكمه العادلة لاستعادة الأموال والأراضى المنهوبة وليكون عبرة لمن تسول له نفسه العبث بثروات ومقدرات الوطن فى المستقبل، ولا شك أن الذين يحاكمون الآن بتهم الفساد هم الفئة القريبة من السلطة فى عهد المخلوع فقط ومازال هناك رؤس للفساد فى كل محافظات مصر لم يقترب منهم أحد، هؤلاء حققوا ثروات ضخمة واستولوا على أراضى الدولة وحصلوا على عمولات بالمليارات من بيع ممتلكات الدولة بطرق ملتوية غير شريفة.
ولا شك أن وجود هذا الجهاز وإعطائه كل الصلاحيات والاستقلالية سوف يكون له دور كبير فى مكافحه جرائم الفساد والرشوة، وسيوفر للدولة مليارات الجنيهات ويحقق العدالة، ويقضى على ظاهرة الفساد التى تهدد كيان المجتمع.
فهل يحقق لنا الرئيس القادم هذا المطلب؟
