انتظرته طويلا على المقهى، ولما لم يأت فى موعده، طلبت كوبا من الشاى وبدأت فى قراءة عدد من الصحف اليومية والأسبوعية، لأتعرف على أحوال البلد وأسلى وقتى حتى قدوم الصديق الذى لم أره منذ مدة طويلة لا على القهوة ولا على الورق بما أنه يقاسمنى فى بعض الأحيان الحوار والتعليق على بعض ما يقع فى مصرنا المحروسة من أحداث، لا تترك للمرء فرصة لالتقاط أنفاسه، مر الوقت شربت من خلاله نصف كوب الشاى على مهل، وقرأت نصف الجرائد تقريبا، وخلال تنحية الجرائد على جانب من ترابيزة القهوة لمحت شخصا ملامح وجهه هى تقريبا ملامح وجه صديقى إلا أننى بدأت أدقق فى وجهه واستغربت كيف قام بتغيير خلقته بهذا الشكل وعمل "لوك" جديد، كتمت ضحكة وظهرت ابتسامة خبيثة على وجهى من رؤية هذا القادم الذى لا أعرف هل هو صديقى أم أنه شخص يشبهه تماما، فبعض التغييرات الشكلية طالت شعر رأسه وظهرت ألوان حمراء وزرقاء فى وجهه، المفاجأة أن هذا القادم الذى يشبه صديقى توجه إلى مباشرة ومد يده ليسلم على فوقفت احتراما له ومددت يدى أنا أيضا لأسلم عليه، فما كان منه إلا أن شدنى إليه وحضننى، وقال لى: ما هذا الجفاء الذى أنت عليه؟ فعرفت حينها من صوته أن هذا القادم هو صديقى بلا شك وأنه فعلا أجرى تغييرا فى "خلقة" ربنا وحلق شعره وزودها حبتين فى الوشم الأحمر والأزرق حول عينيه وخده الأيمن، نظر إلى صديقى بأسى وحزن شديدين، قلت فى نفسى ما هذا اللقاء "الحزاينى" وبلغة السينمائيين ما هذا اللقاء "التراجيدى"، ساعتها لمت نفسى على ابتسامتى الخبيثة والضحكة التى كتمتها والظن بأن صديقى الذى غاب عنى فترة طويلة قام من تلقاء نفسه بعمل "نيولوك" والتغيير فى شكله وحلق شعر رأسه، خاصة أننى بعد ملاحظة وجدت أثار جرح أعلى الرأس، وروعت من داخلى وانقبض قلبى أن يكون الصديق من الذين كانوا فى مشوار العباسية ومن المشاركين فى الوقفة الاحتجاجية أمام وزارة الدفاع مع التيارات السياسية ومنها بالطبع تيار أولاد أبو اسماعيل، وحدث له المكروه من جانب جنود الداخلية والشرطة العسكرية والقيام بالإجراء التربوى الأبوى والتأديبى للمقبوض عليهم بحلق شعورهم كأنهم فى اليوم الأول لدخول الجيش.. هممت بالسؤال عن ما حدث له، إلا أنه سارع بالقول: "نعم يا سيدى ما تريد سؤاله لى فإن جوابه هو أننى كنت ضمن مجموعة صحفية تقوم بتغطية اعتصام العباسية وتغطية فض الاعتصام، وما حدث للمعتصمين والمتظاهرين من هجوم وضرب وإهانة وحلق للشعر حدث أيضا للإعلاميين والصحفيين، فالقوم أول مرة أعرف أنهم يقومون بتوزيع عدالتهم فى الظلم على الكل، فتم التوزيع بالقسطاس المستقيم على الأطباء وعلى الطلبة وعلى الصحفيين والإعلاميين وأساتذة الجامعة وكل النشطاء رجال ونساء وشباب وفتيات، لم يسلم منهم أحد، ولم يفرقوا بينهم فى شىء سواء فى الشارع أو داخل مسجد النور بالعباسية.
قلت له: كل ما فعلوه بكم من ضرب وإهانة معروف منذ عهد مبارك وقبل مبارك، ولكن من أشار عليهم أن يقوموا بهذا الشكل الجديد من الإهانة وهو حلق شعر المقبوض عليهم؟ وأضفت بقولى: خلال تغطية الفضائية المصرية شاهدت شابا مصريا له شعر طويل يسير بين أيدى الجنود لترحيله، وقبل أن يدخل من باب الأتوبيس وضع أحد الضباط يده على شعره كأنه يقول لهم خدوا بالكم من هذا الشاب واعملوا اللازم تجاهه.
قال صديقى: يا أخى لم يحدث لى أن قام أحد بالضغط على لحلاقة شعر رأسى إلا والدى منذ ما يزيد على عشرين سنة بحجة أن الشاب أو الراجل لا ينبغى له أن "يربى" شعره ويبقى "خنفس"، وهذه المرة الثانية التى قبض علينا فيها من جانب شرطتنا العسكرية وداخليتنا بعد ثورة الكرامة، قلت له: اعتبر أن والدك هو الذى ضغط عليك فى المرة الثانية أيضا وحلق شعرك، رد على بقوله: زمان كان شعرى طويلا يستحق الحلق، أما الآن فكان شعرى قصيرا يستحق أن يترك ليطول، ولكنهم افتكروا أننا "ناقصين" تربية وحلق الشعر معناه عندهم تأديبنا، والحمد لله أنهم لم يقوموا بحلاقة ذقن أحد.