أصدر مركز بروكنجز دراسة عن المخاطر والاحتمالات التى تواجه أول انتخابات التحولات العربية فى مصر وتونس، وقالت معدة الدراسة إيلن لاست، أستاذ العلوم السياسية بجامعة يال الأمريكية، إن الانتخابات التى تأتى بعد السقوط الدرامى للأنظمة الاستبدادية تضع صناع السياسات أمام خيارات صعبة، فهى فرصة لإقامة أساس سليم لتحقيق الديمقراطية ولإنشاء المؤسسات ولتعزيز العناصر الفاعلة التى تساعد على ضمان الحرية ونزاهة الانتخابات، لكن هذه الانتخابات جزء من صراع يحمل مخاطر شديدة على المستقبل، حيث إنها تتم فى ظل حالة هائلة من عدم اليقين، بظهور أطراف جديد ووجود نخب قديمة تعيد تشكيل نفسها ومشاركة المواطنين فى السياسة بطرق جديدة وغير متوقعة.
وترى الدراسة أن دعم ومساعدة الانتخابات فى العالم العربى أصبح أكثر تحديا بسبب عاملين يميزان منطقة الشرق الأوسط، أولهما أن التحولات أصبحت أكثر صعوبة بسبب المطالب القوية لاقتلاع النظام القديم، فالمخاوف من قيام بقايا النظام القديم بتقويض الثورات تخلق دائما حالة من الضغوط لاستبعاد النخب السابقة. أما العامل الثانى، فهو عدم الثقة فى القوى الخارجية والذى يؤدى إلى زيادة مثل هذه المشاكل. ورغم أن انعدام الثقة أمر لا مفر منه فى جميع دول ما بعد الاستعمار، لكن الشكوك مرتفعة بشكل خاص فى العالم العربى، خاصة تجاه الولايات المتحدة. فدعم واشنطن لإسرائيل وللأنظمة العربية المستبدة منذ الحرب الباردة، وعدم استعدادها لاتخاذ مواقف قوية ضد حسنى مبارك وبشار الأسد قد أدى إلى زيادة فى الشكوك بشأن النوايا الأمريكية.
وتحدثت الدراسة عن الصعوبات الخاصة بالانتخابات فى مصر وتونس، وقالت إن المرشحين يفتقرون حاليا إلى الخبرة والموارد اللازمة لإجراء الانتخابات، سواء كانوا أفرادا أو أحزاباً، ويعرفون أن تلقى المساعدة الدولية مسيسة للغاية، كما أن الأحزاب لا تريد أن ينظر إليها على أنها بيادق للقوات الدولية وخاصة الولايات المتحدة، لأن هذا من شأنه يضر بالتأييد الشعبى لها.
كما أن تثقيف الناخبين من التحديات الرئيسية فى أول انتخابات أيضا. فغالبية السكان فى مصر وتونس لم يصوتوا من قبل أو فعلوا ذلك فى ظروف مختلفة. ولا يزال الناخبون مشوشين فى كثير من الأحيان وغير مدركين لحقوقهم. وغالبا ما يقتصر تثقيفهم على مجموعات صغيرة من الورق الذى توزعه الأحزاب السياسية لتعريفهم برموز الحزب.
ومن بين التحديات الأخرى التى ترصدها الدراسة، ما يتعلق بمراقبة الانتخابات خاصة المراقبة الدولية، حيث إن الجدل فى هذا الشأن يعكس التوتر الأساسى بين تأكيد السيادة من خلال تعزيز الاعتماد على الموارد المحلية، وتعزيز الشرعية من خلال الخبرة الدولية. وأصبح عدم السماح بالمراقبة الدولية مثيرا للشكوك. وتحتاج الجهات المحلية الفاعلة إلى البت فى هذه المسألة. وأشارت إلى أن الأطراف الدولية الفاعلة يمكنها أن حل هذه المشكلة بطريقتين، أولا أن تسمح بتسمية المراقبين "شهود عيان" للمساعدة على تخفيف المعارضة لوجودهم، وثانيا التعزيز والاستثمار فى برامج تدريب المدربين.
ودعت الدراسة المجتمع الدولى إلى تعديل استراتيجياته الخاصة فى الاستجابة للتحديات الفريدة من نوعها التى تشكلها الانتخابات الأولى فى العالم العربى، وقالت إنه على أعضاء المجتمع الدولى أن يحدوا من أنشطتهم ويحددوا العديد من البرامج والأولويات التى يمكن وضعها بشكل جيد فى الانتخابات القادمة من أجل التركيز على الاحتياجات الملحة. وطالبت الدراسة المجتمع الدولى بالعمل مع الديمقراطيين العرب لمواجهة مشكلة مطالبهم بالاقتلاع الكامل للنظام القديم توسيع ميدان المشاركة وتشجيع مجموعة متنوعة من الممثلين للجلوس على طاولة المفاوضات.
وختمت الباحثة دراستها بالقول إن الانتقال إلى الديمقراطية يجرى ببطء، ومع مرور الوقت، وبالنسبة البلاد التى تمر بمرحلة انتقالية، فإن الأهم هو وضع القواعد والنتائج التى تعطى كل الأطراف مكانا فى الساحة السياسية.
