شريف سعيد يكتب: ثورة يناير وانقلاب يوليو.. والسلك الشائك

الخميس، 10 مايو 2012 05:38 م
شريف سعيد يكتب: ثورة يناير وانقلاب يوليو.. والسلك الشائك صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"يسقط يسقط حكم العسكر".. هذا الهتاف التلقائى الذى خرج من الجماهير الثائرة عقب شهور قليلة من الهتاف الأول "الشعب يريد إسقاط النظام".. هذا التبدل فى الهتاف لم يكن سوى إحساس تلقائى وحقيقى بضخامة الخصم الذى تواجهه الثورة المصرية.. هذا الهتاف لم يكن موجهًا فعليًّا إلى سيادة المشير ولا إلى لواءات المجلس بأشخاصهم بقدر ما كان موجهًا إلى خصم أعم وأشمل يشعر الثوار بوطأة أقدامه.. خصم قد جاوز الستين من العمر، وحان وقت تقاعده بعد أن نال فرصته كاملة فى حكم مصر.. إنه نظام يوليو الذى آن له أن يريح ويستريح.

بالرجوع إلى الوراء فإن مشهد المواجهة "التى لم يتمناها أحد" على أعتاب وزارة الدفاع المصرية يوم 4 مايو 2012 لم تكن سوى تتويج لعدة مشاهد.. بدأت بموقعة الجمل يوم 2 فبراير 2011 حينما مرت الجمال والخيول بسلام من جانب الدبابات والمدرعات، هذا المشهد الذى غضضنا عنه الطرف باعتبار أن "الجيش والشعب إيد واحدة"، لكننا حينها لم نسأل أين هى اليد الثانية!!

لقد جاءت الثورة المصرية فى البداية لصالح المؤسسة العسكرية التى لم تكن ترضى بمثل جمال مبارك وريثًا للعرش، لكن تلك المصلحة المؤقتة انتهت بأداء اللواء عمر سليمان للقسم كوريث لكرسى الرئاسة.. وهو ما قد يُبرر بشكل كبير صمت العسكر على دخول البلطجية إلى الميدان وقتلهم للمتظاهرين يوم الجمل، هذا اليوم الذى انقضى بصمود تاريخى للثوار، وعليه فإنه لم يكن هناك خيار أمام العسكر فيما بعد سوى الإطاحة بمبارك كضمانة حقيقية لاستمرار نظام يوليو بأكمله، وعدم خروج كرسى "العمدية" من بيت المؤسسة العسكرية.

فى البداية اختلف المراقبون فى تفسير هذا المشهد.. العسكر بالتأكيد ليسوا مع الثورة.. فالفعل الثورى يتنافى مع النظام العسكرى الصارم.. فضلاً على كونهم جزءًا أصيلاً من النظام الذى تمت الثورة عليه، حتى وإن لم يكن هذا مقصودًا فى البداية.. ولكن ما هو التفسير؟ مع الوقت بدأت ملامح المواجهة الحقيقية تتضح.. ثورة يناير فى مواجهة انقلاب يوليو.. هذا الانقلاب الذى تمت "شرعنته" مرتين خلال ستين عامًا.

الشرعنة الأولى كانت بأيقونة الإطاحة بآخر ملوك أسرة محمد على، وانتهت تلك المرحلة بهزيمة مذلة عام 67 تمت تسميتها "نكسة يونيو" تخفيفًا لوطأتها.. فكان لابد من البحث عن أيقونة جديدة يتم تسويقها أمام الجماهير.. فجاءت حرب أكتوبر ومشهد العبور العظيم الذى "شرعن" من جديد نظام يوليو وأعطاه قبلة الحياة عبر صورة "الجندى العابر" لقناة السويس.. تلك الصورة الجديدة التى تم استثمارها مرات ومرات لتبرير حكم العسكر على مصر، وسيطرتهم على أربعين بالمائة من اقتصاد هذا الوطن طوال السنوات الماضية.

كان من الطبيعى لمؤسسة مسيطرة على مقاليد السياسة والاقتصاد فى دولة بحجم مصر أن تشعر بخطر داهم من قيام ثورة جماهيرية بحجم ثورة يناير، وأن تحاول امتصاصها والسيطرة عليها بجميع الأشكال، لكن هذا لم يحدث لأن الثورة كانت حقيقية ولم تكن مجرد "هوجة " سياسية كما تمنى العسكر وحاولوا التعامل معها على هذا الأساس.. بل على العكس.. ومع كل المذابح التى مرت والتى تم فيها الرهان على كسر الثوار لم ينكسروا، وصمدوا عقب ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد.. ومع كل مرة كان الهتاف "يسقط يسقط حكم العسكر" يتبلور ويُبرر أكثر فأكثر.. فلم تعد صورة "الجندى العابر للقناة" المشرعنة لحكم العسكر هى فقط الموجودة بأذهان الأجيال الجديدة، بل أُضيف إليها صورة المدرعة التى دهست الأقباط فى ماسبيرو.. وأخرى لجنود يجمعون جثث المصريين بجوار القمامة بعد قتلهم بأحداث محمد محمود.. وأخرى لجندى يقف بجوار البلطجية ويتبول على المصريين من فوق أحد المبانى بأحداث مجلس الوزراء.. وآخر ينتهك عرض مصرية دهسًا بالبيادة فى صدرها بعد تعريتها بقلب ميدان التحرير.. كل هذه الصور لن تبرح أذهان تلك الأجيال الجديدة، تلك الصور هى التى "شرعنت" بالفعل سقوط حكم العسكر.

كل تلك المواجهات السابقة كانت لأسباب مختلفة وبعيدة عن عقر الدار، أما هذه المرة فالمواجهة كانت أمام أعتاب وزارة الدفاع، وهى بيت العسكر.. وبهدف واضح، وهو إسقاط حكم العسكر وتسليم السلطة للمدنيين.. مواجهة لم أكن أتمناها عند السلك الشائك لكنها حدثت.. قد يرى البعض ممن ينظرون تحت أقدامهم أن العسكر قد اكتسبوا رقعة جديدة بمواجهة 4 مايو عقب تحريرهم لميدان العباسية، لكن المدقق قد يدرك أن القسوة التى يتعامل بها العسكر لم تكن دفاعًا عن هيبة الدولة بقدر ما كانت الزفرة الأخيرة للتنين الحاكم.. فما حدث سيكون بمثابة الصدع الذى سيؤدى إلى الانهيار الفعلى لحكم العسكر بمصر خلال الأيام والسنوات القادمة، وتفرغهم لمهمتهم العظيمة التى نعلم جميعًا أنهم جديرون بها، وهى، فقط، الذود عن حدود الوطن.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة