نهاد أبو القمصان

دستور للحقوق والحريات والبناء الاقتصادى والاجتماعى

الخميس، 10 مايو 2012 09:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تصدر الدساتير استجابة لفكرة معينة عن الدولة التى نشأ من أجل تنظيمها، فالدستور وهو ينظم السلطة أو ينظم الحقوق والحريات إنما يعكس إلى أبعد مدى البناء الاقتصادى والاجتماعى، إما ليحافظ عليه فتكون نصوصه تسجيلا لما هو قائم، وإما ليهزه ويحدث فيه بعض التغيير فتكون هذه النصوص محددة لأسس هذا التغيير ومداه.

التحدى الحقيقى الذى نواجهه هو تحقيق أهداف الثورة، وهو أمر لا يحدث تلقائيا أو بمجرد الوقوف عند إطلاق الشعارات. فرغم أن دستور 1971 أفرد بابا مستقلا للحقوق والحريات العامة دل بمضمونها على أن أغلبها من طبيعة تقريرية لا يكون ضمانها متوقفا على أعمال إيجابية تأتيها الحكومة، بل يكفيها مجرد الامتناع عن انتهاكها، ذلك أن مباشرة الأفراد لحقوقهم السلبية هذه لا يرتهن بعمل له علاقة بالسلطة، بل هم قادرون على ضمانها إذا تركتهم وشأنهم فلا تقحم نفسها بل يجب أن تظل بعيدة ومن أمثلة هذه الحقوق الحق فى الحياة التى لن تمنحها الدولة لأحد بتدخلها، ولكنها تحميها من خلال الامتناع عن التغول عليها بتدابير، من بينها القبض والتفتيش غير المشروع أو الاعتقال، وإن كان نص المادة 40 من الدستور الذى يقرر المساواة بين المواطنين مختلفا، فمبدأ المساواة تقرره الدولة، ولكن لابد من أن تحميه من خلال أدوات وأساليب قانونية مختلفة تعمل على ذلك.
وهناك نوع آخر من الحقوق الفردية الإيجابية، وهى لا تقوم أصلا إلا بعمل من الدول يضمنها وهى نصوص غير محددة تمثل أهدافاً يعمل النظام السياسى على تحقيقها، أو هى بمثابة برنامج سياسى يجب على البرلمان أن يقوم بتنفيذه، ومعظم مواد الباب الثانى من الدستور والخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وفى مثل هذه النصوص يحيل الدستور إلى قانون لتنظيمها، وبالتالى لا يستطيع الأفراد الاحتجاج بما جاء بها فور صدور الدستور، بل يلزم ـ لكى يتمتع الأفراد بمضمونها ـ أن يتدخل البرلمان ويصدر من التشريعات ما يضعها موضع التنفيذ.

وهذا النوع من النصوص اتجهت الدساتير الحديثة إلى وضع حد منه ووضع إلزام سياسى على عاتق البرلمان بإصدار القوانين اللازمة لتنفيذ هذه النصوص، والبرلمان وإن كان يتمتع فى هذا الشأن بسلطة تقديرية، ويختار الوقت الملائم وأحسن الطرق الفنية والقانونية التى تؤدى إلى إعمال مضمون هذه النصوص، وهنا اتجهت الدساتير الحديثة إلى تحصين هذه الحقوق من تقييدها بالقانون، أى أن البرلمان لا يستطيع أن يصدر من القوانين ما يخالف هذه النصوص مخالفة صريحة، وينتهكها انتهاكا واضحا، ضمانا لتطوير مظاهر الحياة وتحديثها، وتنفيذ مبادئ الثورة التى قامت لتحقيقها.

نخلص من ذلك ومن المبادئ التى أرستها المحكمة الدستورية العليا، أن المبادئ الدستورية الحاكمة للموضوع هى:
1- إقرار الوثيقة الدستورية ليس مطلبا مقصورا لذاته، ذلك أن الأمل المعقود عليها هى إنفاذها وتطويعها وفق المصالح الوطنية وليست المصالح الخاصة لفريق معين أو اتجاه سياسى محدد.

2- النصوص الدستورية لا يجوز أن تبتعد عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة فى الفراغ، أو باعتبارها قيمة مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى، وإنما يتعين دوما أن تحمل ما يعين على التطور الديمقراطى والاقتصادى الذى يضمن حقوق الإنسان ويسموا فوق كل أشكال التمييز أو ردود الفعل الانتقامية من سياسات أو جماعات بعينها ويعبر عن كل المواطنين.

3- الأصل فى النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة، وأن المعانى التى تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التنافر أو التعارض، فلا يجوز ذكر الحق فى موضع والإجهاز عليه فى موضع آخر، وهو أمر تكرر فى دستور 1971.

4-الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وهو ما اتجهت الدساتير الحديثة إليه، فلم تعد تكتفى بتقرير الحقوق وإنما ضمان تطبيقها ووضع تبعات على عدم تطبيقها، حيث لم يعد الدستور مجرد حبر على ورق يمكن التلاعب به أو الإلفاف عليه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة