أتحدث اليوم عن العلاقات الدبلوماسية ومدى تأثيرها على العلاقات البينية بين الشعوب فى عالمنا العربى بشكل خاص، وعالمنا الإسلامى بشكل عام.
إن العلاقات الدبلوماسية تلعب دورًا كبيرًا فى تشجيع أو تثبيط التعاون التجارى والثقافى بين الدول كنتيجة للعلاقات الجيدة التى تنشأ من توافق وجهات النظر السياسية. رأينا فى عهود سابقة أننا كنا نصوم رمضان إذا صامت السعودية، ونأخذ بفتوى اشتراكها معنا فى جزء من الليل عندما تكون علاقتنا مع الإدارة السعودية جيدة، وعندما لا تكون كذلك فإننا نتبع الأسلوب العلمى والحساب الفلكى، ونتحرى رؤية الهلال لتأكيد أول أيام الشهر الفضيل من عدمه. ولكن هل اهتم أحد بشعور الناس الحقيقى عند هذه الأزمات الدبلوماسية بين الدول؟ إن مصلحة الشعوب غالبًا ما تتعارض مع مصالح الرؤساء فى بلاد لا تحكم بالديمقراطية، وهنا يأتى دور الإعلام الموجه فى كل من الدولتين اللتين تتوتر العلاقة بينهما للترويج لفكرة الحاكم، واستنفار العامة إلى جانبه، وقد يدفعه ذلك إلى الكذب على شعبه أو تلفيق التهم أحيانًا للدولة الأخرى، وبدون مقدمات، وعندما ينصلح الحال بين الحكام، وبزوال أسباب الخلاف غير المعلن من البداية نجد التيسيرات فى الدخول لمواطنى البلدين وزيادة الاستثمارات والتجارة المتبادلة، وكأن الشعوب أصبحت لعبة أو أداة لعقد صفقات لا يعلم غالبية الناس عنها شيئًا، ولكنهم فى كل الأحوال يسعدون لنمو العلاقات الدبلوماسية لما فى ذلك من أثر مباشر على حياة الفرد اليومية، ويشعرون بالأسى والخوف عندما تتوتر العلاقات الدبلوماسية مع دولة أخرى لهم فيها أقارب وأصهار وتجارة وجاليات بالآلاف. فأنا لا أتصور سياحة فى مصر بدون الأشقاء من السعودية والإمارات والكويت، لا أتصور موسم حج وعمرة ناجحًا بدون قدوم الحجاج والمعتمرين المصريين، لا أتصور مشاريع واستثمارات وفرص عمل حقيقية فى مصر بدون رأس المال العربى، والخليجى تحديدًا، لا أتصور نهضة حقيقية فى دول الخليج بدون الطبيب المصرى، والصيدلى المصرى، والمهندس المصرى، والمعلم المصرى، وغيرهم من العمالة المصرية التى تعتبر من أكبر القوى العاملة فى الخليج، من حيث العدد، ومن حيث التنوع فى الخبرات.
إن التغيير الكبير الذى حدث نتيجة الثورة الإلكترونية والتواصل عبر المواقع الاجتماعية جعلنا فقط نرى ونسمع وجهة نظر العامة فى أحداث بعينها، وجعلنا نتابع هذه التعليقات اللاذعة والتى لم تختلف عن الذى كان يقال فى السابق، داخل الأروقة المغلقة، وفى الأحاديث على المقاهى، ولذلك أتمنى ألاَّ يعتبر الساسة والأخصائيون الاجتماعيون أن هذا تحول فى السلوك الشعبى، أو أن التعبير خارج عن اللياقة، وبعيد عن الدبلوماسية، هذا أمر طبيعى جدًّا، الجديد فيه فقط هو أننا الآن نراه، فمثلاً لا يعنى اكتشاف المرض الآن أنه لم يكن موجودًا فى السابق، الفارق هو أننا تعرفنا عليه وأصبح بإمكاننا إيجاد الطرق المناسبة لعلاجه. إننى هنا أدعو كل الشعوب فى عالمنا العربى والإسلامى إلى أن تتمسك بقوة علاقتها بأشقائها مهما ظهر من خلاف سياسى على السطح، لأن الأصل هو اندماج هذه الشعوب بعضها مع البعض، ولأن فى ذلك خيرها على المدى القريب والبعيد، وأن تنأى بنفسها عن الدخول فى أوراق اللعب الدبلوماسى وألاَّ تستجيب للإعلام الموجه من أى دولة لبث كرهٍ أو إقصاء لشعب بأكمله لإرضاء مصالح مؤقتة لمجموعة من حكام هذه الدولة أو غيرها.
وأدعوا القيادات السياسية فى جميع الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعر نبض الشعوب وألاَّ تتعامل مع هذه التعليقات على أنها تمثل شعبًا بأكمله، ولكن تأخذ هذه التعليقات وتحللها وتستفيد من محتواها، لأنها تظهر للقيادات فى كل دولة كيف يراهم الآخرون بدون تحفظ أو "زواق" أو دبلوماسية، وساعتها فقط تستطيع كل دولة أن تعمل وتبدأ فى وضع آليات لتحسين صورتها لدى الآخرين بخطوات ملموسة على الأرض، حيث لا يمكن تغيير المفهوم المتكون إلا من خلال أعمال حقيقية، وليس عن طريق الرد بكلمات لن تؤدى سوى لزيادة الفجوة وتعميق وجهة النظر المناهضة لما تتبناه هذه الدولة من سياسات وممارسات.
د. طارق الدسوقى يكتب: العلاقات الدبلوماسية ونبض الشعوب
الخميس، 10 مايو 2012 01:57 م
جامعة الدول العربية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة