د.عاصم الدسوقى

ثمن التبعية!

الخميس، 10 مايو 2012 04:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بقيام ثورة يوليو 1952 تحقق الاستقلال التام لمصر بخروج الجيش البريطانى، وامتلكت مصر سيادتها، وأصبحت دولة قوية يعمل لها حساب, دوليا وإقليميا، حيث وقف جمال عبدالناصر ضد محاولات احتوائه، فرفض الانضواء تحت مظلة الأحلاف الأمريكية، ورفض المساعدات المشروطة بالمواقف السياسية، ولهذا اكتسب عداء أمريكا التى قررت التخلص منه لخطورة مواقفه على مصالحها الإستراتيجية، فكان عدوان إسرائيل عام 1967، ورغم الهزيمة فإنه لم يستسلم، وكان الغرض من العدوان إرغامه على الاستسلام، وركوب المركب الأمريكى.

ثم رحل جمال عبدالناصر، وجاء أنور السادات الذى دخل فى معركة شرسة ضد أعوان عبدالناصر وتخلص منهم (15 مايو 1971)، وأعلن أن ما قام به «ثورة تصحيح». وسرعان ما تبين أن ثورة التصحيح هذه ما هى إلا ثورة على استقلال الإرادة الذى حققته مصر زمن عبدالناصر، إذ أخذ السادات يغازل الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدى استعداده ليكون على «حجرها»، ومن هنا قوله: «إن %99 من أوراق حل مشكلة الصراع مع إسرائيل فى يد أمريكا». وهكذا وجدت أمريكا نفسها مدعوة لكى تمتطى ظهر مصر و«تدلدل» رجليها، وتمسك بالمهماز لتحديد مسار الطريق ومنحنياته. وفى المقابل كان على السادات أن يستجيب للطلبات الأمريكية تباعا، ابتداء من تقرير سياسة الانفتاح (إبريل 1974) وتصفية القطاع العام، ورفع يد الدولة عن كل الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ومصالحة إسرائيل حتى تصبح «مصر بلدا حرا بعد سياسة الانغلاق والشمولية الناصرية». وحتى تحتفظ أمريكا بحرارة تبعية السادات أخذت تخاطب فيه نرجسيته، وتصفه بالحكمة والرزانة وهو يصدق، بل لقد وضعت مجلة «النيوزويك» على غلاف أحد أعدادها صورته وبين أصابعه «البايب»، وكتبت «أشيك رجل فى العالم».

ثم رحل السادات وجاء مبارك لكى يستكمل «ثورة التصحيح»، ويعمّق خطوط التبعية لأمريكا مضافا لها الأجندة الإسرائيلية حتى فقدت مصر مكانتها الدولية والإقليمية إلا من صفة التبعية، وتستمر أمريكا فى سياسة المداهنة والنفاق للاحتفاظ أيضا بحرارة التبعية، فتصف مبارك بأنه أحكم الحكام، بل إن أوباما فى زيارته لمصر 5 يونيو 2009 قال قبل أن يجىء: «إن مبارك عنصر رئيسى لحل مشكلات الشرق الأوسط»، ومبارك يصدق.
وعندما انفجرت الثورة فى 25 يناير 2011 خشيت أمريكا أن تكون ثورة على منهج السادات - مبارك، فأرادت احتواءها، فأعلنت مباركتها للثورة التى قامت من أجل الديمقراطية، وجاء الرئيس كارتر يراقب انتخابات مجلس الشعب، وجاء جون كيرى، السيناتور الديمقراطى، وقابل شخصيات من المعارضة، وكذلك فعلت هيلارى كلينتون، فضلا على لقاءات كثيرة داخل السفارة الأمريكية، وأخرى فى أمريكا، والهدف البعيد أن تحتفظ مصر بسياسة «الحرية» الاقتصادية، وبالعلاقات مع إسرائيل، وإلا سوف تقطع المعونات عنها.

وهنا لا بد أن نتذكر عبدالناصر الذى وجد ضالته فى مجموعة الحياد الإيجابى، وعدم الانحياز، للمحافظة على استقلال الإرادة، وفى ذلك قال: «إن عدم الانحياز يعنى إقامة تكتل دولى من أجل السلام العالمى والرخاء والحرية، وصيانة ودعم مسيرة الدول المتخلفة نحو التقدم، وذلك يستلزم عدم التورط فى التبعية للتكتلات الدولية اثنتين كانت أو ثلاثا» (5 يوليو1964). وفى 12 نوفمبر 1964، وفى الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة قال: «هناك بلاد داخلة فى تحالفات.. تخضع وتقبل الشروط.. وتعيش مثلما كنا نعيش قبل 1952.. وتأخذ بعض معونات ولا يكون لها أى كلمة فى الشؤون العالمية.. وليس لها إلا أن تسمع أوامر وتنفذ هذه الأوامر.. إنها بلاد اتبعت سياسة سلبية ولم تستطع أبدا أن تطور نفسها داخليا».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة