صدرت بعض الأحكام من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة والقليوبية، تتضمن الحكم بوقف قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بدعوة الناخبين للانتخاب، والحكم بوقف الانتخابات الرئاسية، كما صدر من قبل قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بإحالة تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية إلى المحكمة الدستورية العليا.
وقد لاقت هذه الأحكام والقرارات ردود فعل متباينة، لدى المواطنين والباحثين، وسوف نتناول تحليل وتأصيل التكييف القانونى للجنة الانتخابات الرئاسية فيما يلى:
حددت المادة 28/1 من الإعلان الدستورى والصادر بتاريخ 30/3/2011 والتى تنص على أنه: "تتولى لجنة قضائية عليا تسمى (لجنة الانتخابات الرئاسية) الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب".
وقد أوضحت المادة 8 من قانون الانتخابات الرئاسية رقم 174 لسنة 2005 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية الاختصاصات شبه المطلقة للجنة المذكورة، والتى تنص على أنه: "تختص لجنة الانتخابات الرئاسية، دون غيرها بما يأتى:
1- إعلان فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية.
2- وضع الإجراءات اللازمة للتقدم للترشيح لرئاسة الجمهورية والإشراف على تنفيذها.
3- تلقى طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية وفحصها والتحقق من توافر الشروط فى المتقدمين للترشيح.
4- إعداد القائمة النهائية للمرشحين وإعلانها.
5- إعلان ميعاد وإجراءات التنازل عن الترشيح.
6- تحديد تاريخ بدء الحملة الانتخابية ونهايتها.
7- التحقق من تطبيق القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية المنصوص عليها فى هذا القانون، ومن تطبيق المساواة بين المرشحين فى استخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية المملوكة للدولة لأغراض الدعاية الانتخابية، واتخاذ ما تراه من تدابير عند مخالفتها.
8- الإشراف العام على إجراءات الاقتراع والفرز.
9- البت فى جميع المسائل التى تعرض عليها من اللجان العامة لانتخاب رئيس الجمهورية.
10- تلقى النتائج المجمعة للانتخابات، وتحديد نتيجة الانتخاب وإعلانها.
11- الفصل فى جميع التظلمات والطعون المتعلقة بالانتخاب.
12- الفصل فى جميع المسائل المتعلقة باختصاص اللجنة، بما فى ذلك تنازع الاختصاص، وكذلك الاختصاصات الأخرى التى ينص عليها هذا القانون.
وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أى جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بالتأويل أو بوقف التنفيذ.
وللجنة أن تسهم فى توعية المواطنين بأهمية الانتخابات الرئاسية والدعوة إلى المشاركة فيها.
وتلتزم أجهزة الدولة فى حدود اختصاصها بمعاونة اللجنة فى القيام بأعمال التحضير والإعداد للانتخابات وسائر الأعمال اللازمة لذلك".
كما تنص المادة 10 من قانون الانتخابات الرئاسية سالف الذكر على أنه: "يُحدد ميعاد بدء إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية ويوم الانتخاب ويوم الإعادة بقرار من لجنة الانتخابات الرئاسية، وذلك بمراعاة المواعيد المنصوص عليها فى الدستور، وينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية وفى صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار".
ويتضح من المواد سالفة الذكر ومن التفسير القضائى والفقهى الصحيح للنصوص ما يأتى:
أولا: أن لجنة الانتخابات الرئاسية هى لجنة قضائية عُليا طبقا للمعيارين الشكلى والموضوعى التى استقرت عليهما أحكام المحكمة الدستورية العليا.
ثانيًا: أن اللجنة القضائية العُليا للانتخابات الرئاسية تملك الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا دون التقيّد ببعض النصوص الحَرفية فى قانون المحكمة الدستورية العليا، وذلك لأن هذه الإحالة تدخل فى الاختصاص الواسع للجنة الانتخابات الرئاسية طبقا لنص المادتين 8/12، 10 من قانون الانتخابات الرئاسية سالفة الذكر، وذلك كله على خلاف ما تردد كثيرًا فى الصحف والفضائيات.
ونحن نرى مع صراحة ووضوح النصوص السابقة عدم منطقية أى تفسير قضائى آخر يخالف ما سبق ذكره، وأن أى حكم قضائى يخالف هذا الرأى سوف يكون مصيره الإلغاء أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا طبقًا لقانون مجلس الدولة، كما حدث ذلك فى سوابق قضائية متعددة من قبل، وقد طعنت على الحكمين يوم الخميس الموافق 10/5/2012 لجنة الانتخابات الرئاسية ومن لحقه ضرر من المرشحين.
ثالثًا: يتبيّن لنا من التفسير العلمى الصحيح للنصوص المتقدمة أنه لا تملك أى جهة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية خلاف لجنة الانتخابات الرئاسية وقف تنفيذ قراراتها المختلفة طبقًا للمادتين 8/12، 10 من قانون الانتخابات الرئاسية، ومن تلك القرارات تحديد موعد الانتخابات، الذى تنطق به بوضوح المادة العاشرة سالفة الذكر.
رابعًا: أنه يتبيّن لنا من النصوص السابقة أن اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية هى وحدها– دون غيرها- المختصة بدعوة الناخبين لانتخابات رئيس الجمهورية، وذلك دون رئيس الجمهورية أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأن نص المادة 8 من قانون الانتخابات الرئاسية هو نص خاص يخصص ما هو وارد فى قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 المعدل، أو من غيره من النصوص القانونية، وقد أوضحنا ذلك فى كتابنا "شرح قوانين الانتخابات الرئاسية– دراسة مقارنة فى مصر والعالم".
خامسًا: يتبيّن لنا من النصوص السابقة وقانون الانتخابات الرئاسية أن لجنة الانتخابات الرئاسية تملك طبقًا لقانون الانتخابات الرئاسية وطبقا للمادة 45 من قانون المرافعات، اتخاذ أى إجراء مستعجل مثل السماح لأى مرشح فى إدراج اسمه فى كشوف المرشحين وإحالة التظلم المقدّم منه إلى المحكمة الدستورية العليا، لأن لهذه اللجنة طبيعة قانونية خاصة ولها حق إنشاء وخلق القواعد والمبادئ الخاصة بها مثل القضاء العادى، ومحكمة القضاء الإدارى، والمحكمة الإدارية العليا، والمحكمة الدستورية العليا ذاتها طبقًا للمادة الأولى من القانون المدنى المصرى وغيرها.
سادسًا: نستخلص مما تقدّم أن لجنة الانتخابات الرئاسية هى لجنة لها طبيعة خاصة وخصائص قانونية أربع نوجزها فيما يلى:
1 – أنها لجنة ذات طبيعة إدارية تقوم على إدارة العملية الانتخابية وتصدر قرارات إدارية بحتة يتم التظلم منها أمام ذات اللجنة دون غيرها.
2 – أنها لجنة قضائية عُليا بمعنى الكلمة تصدر قرارات قضائية بحتة تعادل الأحكام القضائية فى قيمتها وقوتها وحجيّتها المطلقة أمام الكافة.
3 – أنها محكمة تنازع اختصاص – خاصة - مثل المحكمة الدستورية العليا - ذات الولاية العامة فى تنازع الاختصاص - بشأن أى تنازع فى الاختصاص بينها وبين أى جهة أخرى حول اختصاصاتها دون غيرها، ولو كانت المحكمة الأخرى المتنازع معها هى المحكمة الدستورية العُليا ذاتها، وهى صاحبة الاختصاص العام فى التنازع.
4 – أنها محكمة أول وآخر درجة ولا يجوز الطعن على قراراتها ولا يجوز التعرّض لقراراتها بالتأويل أو بوقف التنفيذ من أى جهة تنفيذية أو قضائية أخرى أيّا كانت.
سابعًا: أن لجنة الانتخابات الرئاسية هى ابتكار مصرى مائة فى المائة – غير موجود فى أى دستور فى العالم – تم ابتكاره بإحكام وإتقان غير مسبوق فى عصر الاستبداد، وهذه اللجنة بوضعها التشريعى الراهن فى القانون المصرى هى حقيقة قانونية واقعية واجبة الاحترام ولن تُجدى - أمام سلطتها المطلقة– الانفعالات أو التهجم أو حتى الأحكام القضائية النهائية المشمولة بالصيغة التنفيذية، وقد أوضحنا ذلك تفصيلا فى موسوعتنا "موسوعة شرح الدساتير المصرية والمستويات الدستورية الدولية".
ثامنًا: أن لجنة الانتخابات الرئاسية هى لجنة يخالف نظامها القانونى - غير المسبوق - المبادئ فوق الدستوريةSupra constitutional ومبادئ القانون الدستورى الدولى international Constitutional Law The مخالفة صارخة، ومع ذلك فإنه لا يجوز الطعن عليها بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، وذلك لورود المادة 28 فى الإعلان الدستورى المصرى ذاته، ونتمنى أن تلغى هذه اللجنة بجدارة واستحقاق فى الدستور المصرى الجديد القادم، إن شاء الله تعالى، وذلك إذا تم تمثيل الهيئات القضائية فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور تمثيلا عادلا طبقا لحقها الدستورى كسلطة مستقلة وهو ثلاثة وثلاثون عضوا قضائيًا، وليس أقل من ذلك.
* أستاذ القانون الدستورى ورئيـس محكمـة الاستئنـاف العالى بالإسكندرية.