محمد إبراهيم الدسوقى

أزمة عابرة ولكن

الثلاثاء، 01 مايو 2012 10:06 م


الأزمة المتفجرة مع السعودية عابرة، ولكن دعونا أن نشكر الله عز وجل على نشوب الأزمة فى هذا التوقيت، لأنها كشفت بدون رتوش مواطن وجوانب الخلل فى العلاقات المصرية السعودية فى لحظة فارقة وحرجة للطرفين، ولعلها تكون الحافز على إعادة صياغتها بصورة تحافظ على كرامة وآدمية مواطنى الطرفين، وأن يكون عمادها الندية، وتبادل المصالح بحكم أن الحديث يتعلق بقوتين مؤثرتين فى المنطقة.

فالقضية تتعدى بمراحل قصة المواطن أحمد الجيزاوى، الذى لا نعرف على وجه الدقة حتى الآن الجرم المنسوب إليه، ودفع السلطات السعودية لاعتقاله، فحكايته سلطت الضوء على أن السعودية تواجه صعوبة فى مواكبة مصر الثورة، ويبدو أنها متخوفة ومتوجسة من ثورة الخامس والعشرين من يناير لأسباب تخصها ولا شأن لنا بها.

فالمملكة كانت تربطها علاقة وثيقة جدا بالرئيس السابق حسنى مبارك، وتأثرت بشدة بخلعه من السلطة ومحاكمته، ولا نجادلها فى حقها فى حب آل مبارك، وخلال سنوات حكمه الثلاثين كان الطابع الشخصى للعلاقة بين البلدين مقدمة على حماية وصون كرامة ملايين المصريين العاملين فى السعودية وتعرض الآلاف منهم لمظالم لا حصر لها، نتيجة تعسف الكفيل أو لخلافهم مع أشخاص نافذين فى دوائر الحكم. وفى كل مرة كان يُظلم فيها المصرىٌ كانت حكومات مبارك تغض النظر عنها، واللوم منصب على النظام السابق الذى كان يتقاعس عن نُصرَه مواطنيه الكادحين فى بقاع الأرض.

هذا الوضع غير المستقيم وضع السعودية فى مرتبة أعلى وجعلها تتصرف باعتبارها الطرف الأقوى فى المعادلة، لأنها مالكة لقوة اقتصادية واستثمارية تمكنها من الضغط وقتما تشاء، ولم تكن معظم وسائل الإعلام المصرية تجرؤ على مناقشة الاختلال فى العلاقة بصراحة ووضوح، وكانت الذريعة للصمت وجود 3 ملايين مصرىٌ فى السعودية. وحينما قررت الرياض تصعيد أزمة الجيزاوى فإنها تصرفت من موقع القوى القادر على إزعاج خصم يكابد الأهوال والمآسى، جراء حالة السيولة المصاب بها على مختلف الأصعدة، وسوء استغلال الحرية وأدواتها.
وأعذر السعودية فى عدم صبرها على الإساءات الموجهة إليها من قبل نفر من الناشطين الذين لا يقدرون المسئولية، فالفارق شاسع بين الاحتجاج، والتطاول والتهديد بتصدير الثورة لبلد ثان، ومحاولة اقتحام مقر بعثة دبلوماسية تلزمنا المواثيق والأعراف الدولية بحمايتها، فالاعتداء عليها اعتداء على سيادة دولة شقيقة.

من طرفنا فإن المشهد كان بالغ السوء وفشلنا فى إدارة الأزمة، وظللنا فى غيبوبة إلى أن صعقنا نبأ سحب السفير السعودى وغلق السفارة، ورحنا نركض ونطلق التصريحات الدافئة، أملا فى تراجع الرياض عن قرارها غير المتوقع. فالحكومة أكتفت بالانشغال بالتلاسن مع جماعة الإخوان المسلمين، حول إقالتها، ولم تدير الأزمة بشكل ذكى، وذاك ليس مرادفا للتفريط فى حقوق المصريين وكرامتهم. فقد كانت تستطيع وضع النقاط على الحروف مبكرًا بإرسالها وفدًا للسعودية يلتقى بالمسئولين هناك ويرى الحقائق مجردة بعيدا عن تسخين الفضائيات التى لا يهمها سوى الخروج ببرامج حوارية ملتهبة، ومارست دورًا تحريضيًا يجب معاتبتها عليه.

كما كان باستطاعتها مطالبة قيادات مطار القاهرة بتزويدها بالوثائق الخاصة بسفر الجيزاوى وما كان معه من حقائب ووزنها، وما مرت به من عمليات تفتيش، لكنها تركت الساحة شاغرة للتراشقات والمهاترات ومرتكبى الصغائر الذين تسببوا فى مشكلة نحن فى غنى عنها. ياسادة الأخطاء فى أزمتنا مع السعودية كانت مشتركة، ونحن نتحمل جزءا كبيرا منها، ولعلها تكون درسًا عمليا لنا فى التدريب على فن إدارة الأزمات بمهارة، وأن نتوصل لشكل جديد للعلاقات المصرية السعودية يليق ببلد ثار على الظلم وإهدار كرامة سكانه.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة