أصدر المستشار الدكتور محمد صلاح أبو رجب، عضو مجلس الدولة والخبير الجنائى، كتاباً جديداً تحت عنوان "المسئولية الجنائية الدولية للقادة"، يتناول فيه الأفكار والمبادئ والأحكام المتعلقة بالمسئولية الجنائية الدولية للقادة، جراء انتهاكهم لقواعد وأحكام القانون الجنائى الدولى، والتى قد تساهم بشكل أو بآخر فى تفعيل آليات احترامه، وتطوير نطاقه، والتى يكشف فيه أن المقصود بالرئيس أو القائد الذى سيسأل هو الرئيس المدنى أو العسكرى الفعلى أو الشرعى الذى يمثل بشكل مباشر أو غير مباشر جزءاً من سلسلة القيادة، ويمتلك سلطة فعلية للسيطرة على أفعال المرءوسين أو المعاقبة عليها.
وتعرض الكتاب إلى الجرائم الجنائية الدولية المرتكبة من قبل الدولة أو الأفراد، والتى تمثل خطورة كبيرة على المجتمع الدولى، خاصة مع انتشارها بحكم سهولة الانتقال من بلد لآخر، واتخاذها أشكالا متعددة، لاسيما جرائم الإرهاب التى تؤدى إلى إثارة الفزع والخوف فى نفوس المواطنين الأبرياء، وهذه الجرائم حيث ما قاله المؤلف هى التى تمكن محاكمة العديد من الرؤساء العرب عنها – الرئيس المصرى السابق وأعوانه، الرئيس الليبى الراحل وأعوانه – رئيس دولة اليمن، رئيس دولة سوريا - جراء ما ارتكبوها ضد الثوار كل فى دولته، كما يمكن محاكمة القادة الأمريكان بها جراء ما ارتكبوه من جرائم فى أفغانستان والعراق، كما يمكن محاكمة القادة الإسرائيليين بها جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطينى.
وقال المؤلف إن هؤلاء القادة أو الرؤساء لا يرتكبون الجرائم بأنفسهم، بل هم الذين يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر فى ارتكابها، الأمر الذى يعنى أن القانون الجنائى الدولى يعرف نظام المسئولية الجنائية المباشرة للقادة بكافة صورها، أى سواء أكان هؤلاء القادة فاعلين أصليين (مباشرين)، أم فاعلين غير مباشرين ارتكبوا الجريمة عن طريق الغير، إما بأمر منهم، أو تحريض، أو إسهام، أو مساعدة، أو أى شكل آخر من أشكال الارتكاب، وهذه الصورة من المسئولية هى المتهم بها الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك.
وتعرض المؤلف لفكرة حصانة قادة ورؤساء الدول، وانتهت إلى أنه لا وجود مطلقاً للحصانة القضائية لرؤساء الدول والمسئولين العسكريين والحكوميين إذا ما ارتكبوا جرائم دولية، ودلل على ذلك بالعديد من المحاكمات الدولية التى تم بموجبها ملاحقة رؤساء ومسئولين رفيعى المستوى والحكم عليهم دون أن تشكل صفاتهم الرئاسية أو العسكرية أو الحكومية التى كانوا يتمتعون بها وقت ارتكاب الجرائم المسندة إليهم أى عقبة فى وجه محاكمتهم أمام المحاكم الجنائية الدولية.
كما تعرض لفكرة أمر الرئيس لمرءوسيه كمانع من موانع المسئولية الجنائية الدولية للقادة، وانتهت إلى أن تنفيذ أمر رئيس تجب إطاعته يعد فى التشريعات الوطنية من أسباب الإباحة؛ وعلى المستوى الدولى لا يعفى الشخص من المسئولية الجنائية فى حالة ارتكابه لجريمة دولية، إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالاً لأمر حكومة أو رئيس، عسكرياً كان أو مدنياً، إلا إذا كان على الشخص التزام قانونى بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعنى؛ وإذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع؛ وإذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة.
ويؤكد المؤلف فى نهاية تلك الدراسة على أن استخدام أسلوب العنف والتنكيل لقمع المعارضين أو استهداف المتظاهرين بالتعدى يعكس سياسة بائدة ولّت منذ زمن، ليس فقط فى الدول المتقدمة، بل أيضاً فى دول العالم الثالث، وإن التعدى على المدنيين بالإيذاء والقتل والتعذيب فى ظل سياسة عامة منظمة يشكل جرائم جسيمة تخضع للمساءلة الجنائية على المستويين الوطنى والدولى، وإذا كانت نصوص التشريعات الجنائية الوطنية بوضعها الحالى تعجز عن ملاحقة مرتكبى الجرائم الجسيمة ضد أبناء الأمة العربية بوصفها جرائم ضد الإنسانية، فإننا لابد أن نعيد النظر فى التشريعات الجنائية القائمة فى العالم العربى لسد هذه الفجوة، وإلا تركنا الباب موارباً للتدخل الخارجى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة