كان يغط فى نومه مستمتعاً بإحساس الدفء، كلما أوشك على الاستيقاظ ازداد تشبثا بالغطاء القطنى الرقيق حتى يكمل نومه فى هدوء ودعة، حتى إذا ما تسللت إليه نسمة من نسمات الليل الشاردة تقلب فى فراشه على الجانب الآخر لعله يجد مهربا من تلك النسمة التى أزعجته، وبينما هو فى حاله من حالات الدفء الجميلة، فإذا به يرى نفسه فى حلم من الأحلام أقرب كثيرا إلى اليقظة منه إلى عالم الأحلام، يغوص بمشاعره فى عينين بريئتين، صافيتين.
صفاء الروح بعد الصلاة، وشعر حريرى يميل لونه إلى لون الذهب الخالص مشرب بحمرة الخجل إذا ما تخلله شعاع شمس ساعة أصيل، تميل عليه فى دلال وخفة، وهى تبتسم ببراءة ابتسامة تفرج عن أسنان متراصة بدقة وعناية فنان أحسن الصنع فى صنعته وجمله بلون الحليب، وشفتين هما شاطئى النجاة بالنسبة إليه.. ففيهم يسبح بعيدا، ومنهم يستمد كلمات التشجيع على مجابهة العوائق، ومنهم أيضاً يسمع الكلمة التى حلم بها سنوات عمره الماضية.. ولم يكن يطمح أبدا فى أن يسمعها من سواها.
فهى التى حلم بها ومعها، وعاشا سوياً على أرض واقعه الأليم الذى لم يتمكن من كبح جماح مشاعره فى الوقوع بكل جوارحه فى هواها.
ففى لقائه بها أول لقاء والطبيعة تصر على الاحتفاء بهذه المشاعر الغضة التى شاءت لها الأقدار أن يكون ميلادها مع تفتح الزهور فى فصل الربيع، وبالغت الطبيعة فى ذلك الاحتفاء مرسلة نسمات الربيع المحملة بعبق الأزهار، لتداعب فستانها الأنيق وتغازل شعرها الذهبى، الذى كان يصر دائما على تقبيل وجنتيها كلما غازله النسيم، وبينما يهم بيديه ليعانق كفيها فإذا بنسمة باردة تتسلل عبر ذلك الغطاء القطنى اللعين لتوقظه، فيعاود التقلب على الجانب الآخر حتى ينعم بدفء يديها ويتنفس بعبير شفتيها، ويشعر بنعومة أوراق الورد فى وجنتيها.
أخذا يتجولان بين الزهور، وهو يخشى أن يقترب منها حتى لا يجرح قلبه إذا ما عجز على السيطرة على يديه من أن تعبث بشعرها أو أن عينيه تحضن عينيها، فكان يؤثر البعد، ويكتفى فقط بالتمتع بجوار هذا القلب الذى هام به وذاب فيه عشقا، لم تتركه الطبيعة فى هنائه كثيرا، فقد أرسلت إليه بعضا من عواصف الربيع الترابية. ولما لا والطبيعة تصر دائما على أن تشاركه أفراحه وأتراحه.. فإذا بهذه الريح تغازل ثياب محبوبته فى قسوة تجعل الثوب يشتبك فى أشواك سيقان الورد فى موقعة غير متكافئة بالمرة.. فبعد أن كانت النسمات تغازل الثوب الأنيق فإذا بالعاصفة تغازله غزلاً لا يخلو من وحشية وقسوة لا تختلف كثيرا عن قسوة أقدارنا.
ولم ينفضّ الاشتباك بين الثوب الجميل وأشواك سيقان الورد، إلا بعد أن أخذت أشواك الورد تذكارا عزيزا من ثوب محبوبته. لم يجد بُداً من أن يبحث عن خيط وإبرة، حتى يتمكن أن يخيط ثوب محبوبته ليدارى به حبه من عيون اللصوص، بحث طويلا وفى كل أرجاء الحديقة حتى تمكن من العثور على إبرة وفتلة يمكناه من ستر عورة حبه.
عاد سريعا إلى محبوبته فلم يجدها حيثما كانا يفترشان العشب.. تأمل الإبرة والفتلة فى يديه، عندئذ تسللت تلك النسمة الباردة اللعينة عبر غطائه القطنى الرقيق لتوقظه من النوم، فيقوم من نومه، وفى حركة لا إرادية، غير مدرك أنه كان فى حلم وضع الإبرة والفتلة على الطاولة، وانصرف ليبدأ يوماً جديداً.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
roma roma
الحب جميل للى عايش فيه !!!!!!!!!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
وتبقى الذكرى
عدد الردود 0
بواسطة:
شامية
الحب و الحلم في الزمن الصعب !!
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام كرم الطوخى
ما شاء الله تبارك الله
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
تأللق دائم
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو منعم الشطوي
ومن الحلم ما قــــسا ..!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدي يوسف
اشكركم من الأعماق ..