ست الكل

ما يؤرقنى ويدمى كبريائى هو أن أقضى نحبى بعد 25 عاما بأسلحة الرعاع، مشقوق الجوف أو مقطوع الذراع.. هكذا يرينى نجمى المشؤوم، يرينى أن نهايتى هكذا ستكون بتدبير من امرأة من أقرب النساء إلىَّ، ستقتلنى بسكين مغربية، وستقتل قاتلى وكل من يعرف سر قتلى، فياويل من سيساعدها منها، ياويل كل متآمر معها ضدى!!

.. هذا ما قاله الحاكم بأمر الله فى ليلة السابع والعشرين من شوال عام 411 وقبل أيام من مصرعه بالطريقة ذاتها - تقريبا - التى دونها، وبتخطيط من امرأة من وراء حجاب هى ست الكل.
.. ست
الكل هى السلطانة
.. بنت الخليفة العزيز بالله
.. وكانت تسطع بجمالها وكياستها
.. على كل الشعب المصرى
.. الذى أطلق عليها ست الكل

.. وكان اسمها ست الملك، وأطلق عليها البعض كنز البهاء، والوجه المفدى، وفتاة الشروق، وكانت تأتى إليها فى منامها فاطمة الزهراء لتوصيها بأن تفعل شيئا لتخليص مصر من ظلم وشذوذ أفعال الحاكم بأمر الله، فأقبلت ست الكل على تنفيذ الوصية فدخلت غرفته وقالت له:

.. «إذا كان الصمت فى دولة الطواغيت عبادة.. فكيف أصمت وأنا من ضلوع هذه الدولة، كيف لى أن أريح نفسى بحسن الظن بك وأنا لا أجد سبيلا لصبر الناس عليك وانتظارهم مالا يتأتى ولا يأتى.. خوفى أن يكون خراب هذا الملك على يديك، وأن تعين الأعداء على حتفنا وخراب هذا البيت».

.. صرخ الحاكم بأمر الله مقاطعا ست الملك قائلا: اتركى ما ليس لك به علم، وحدثينى عن بيتك أنت وقد حولته لبيت دعارة تدخلين فيه الرجال المتناوبين عليك وتمكنينهم من فرجك المهتوك وجسمك.. فردت ست الملك عليه قائلة والدمع يملأ عينيها:

.. ويحك.. إن كنت تريد قتلى فلك الذرائع كلها أما أن تدنس شرفى فلا وألف لا.. فرد قائلاً:

.. «لم يعد لك عندى قلب لتستميليه لأبعثن إليك غداً بقوابل للتنقيب فى بطنك فإن أكدن ظنونى كان هلاكك من صنعى والآن اغربى عن ناظرى قبل أن يسبقنى غضبى إلى سيفى وسيفى إلى عنقك».

.. غادرت ست الكل القصر قبل أن يطلع الفجر بعد أن أعدت خطة محكمة للتخلص من الحاكم بأمر الله، حيث ذهبت إلى الحسين بن دواس زعيم قبيلة كتامة التى عانت الويلات فى عهد الحاكم بأمر الله، وقالت له: أتشهد سيل الدماء المهدورة من غير علة ولا استحقاق.. إلى متى يستمر هذا الظلم والطغيان؟!.. لا أريدك أن تلطخ يديك بدمه، بل اختر اثنين من رجالك وأفهمهما أن هناك شخصا ضد الحاكم يرتدى ملابسه ويطمع فى حكمه سيمر من مكان سنحدده لهما وعليهما بقتله ودفنه لينالا كل الرضا من الحاكم ومنى ومنك.. ومقابل هذا نضع الحسين ابنه الصبى وتساعده أنت فى الحكم وسأظل أنا امرأة من وراء حجاب.

.. نجحت خطة ست الكل وغدرت كما توقع الحاكم بأمر الله بمن عاونها، وإن كان التاريخ سيظل يذكر لها أنها خلصت مصر من هذا الطاغية الذى ظل جاثما لربع قرن على قلوب المصريين.

.. حكمت ست الكل وسيرت أمور الدولة أربع سنين تقريبا أعادت الملك فيها إلى نضارته وعمرت الخزائن بالأموال فكانت غزيرة العقل والحكمة.. لكن القدر والمرض اختطفاها فماتت هى الأخرى عام 445 وأيضا فى عيد النحر بعد أربع سنوات من العيد ذاته الذى غاب فيه الحاكم بأمر الله.