فى إحدى ليالى الصيف الحارة الخانقة، التى لا يستطيع فيها التكييف اللعين أن يبرد أكثر من متر واحد فقط بجانبه، هرب منى النوم، ولم أفلح فى إعادته بشتى المحاولات، فقمت من فوق سريرى فى تكاسل وزهق شديدين، ولم أكن أعرف ماذا أفعل لأتخلص مما أشعر به؟ فتحركت فى أنحاء الغرفة يمينا ويسارا، ثم تطلعت إلى التليفزيون ففكرت أن أفتحه، ربما أجد فيه شيئا يضيع حالة الملل الذى أعيشه، ونظرت إلى الريموت وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، ليقينى بأن التليفزيون عادة لا يقدم شيئا "يسر القلب"، وقولت لنفسى "مش كفاية الزهق والملل والحر اللى أنا فيه"، نهايته.. أمسكت بالريموت، وفتحت التليفزيون، ولم أصدق ما تراه عيناى!!
مظاهرات حاشدة فى جميع أنحاء مصر "ميدان التحرير، العتبة، أمام دار القضاء العالى، السيدة زينب، وأمام مسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية، وفى حى الأربعين فى السويس"، وهتافات تدوى فى كل مكان "عيش حرية عدالة اجتماعية" ما هذا؟ ما الذى يجرى؟ هل أنا فى حلم؟ وبدأت أتنقل بين محطات التليفزيون المختلفة العربية والأجنبية، وكلها تنقل نفس الأحداث، كانت المحروسة تدوى بصوت أبنائها "ارحل"، وتنتقل الكاميرات إلى ميدان التحرير لتنقل هتافات الحشد الكبير "مش هنمشى هو يمشى"، يا إلهى! التاريخ يعيد نفسه!
وتذكرت للحظات هتاف "ارحل" الساحر الذى كان يزلزل ميدان التحرير، وجميع الميادين الرئيسية فى المحافظات المصرية المختلفة، منذ ما يقارب الـ30 عاما، هذا الهتاف الذى حرك مشاعر ملايين المصريين، الفقير والغنى، المسلم والمسيحى، كل الناس خرجت إلى الشارع لتهتف بسقوط مبارك، نعم أتذكر ذلك اليوم، كان يوم 25 يناير 2011، لقد مر على هذا اليوم 30 سنة، والآن يتكرر الأمر نفسه مع خيرت الشاطر فى 25 يونيو عام 2042!!
وسرحت بتفكيرى للحظات، ياه 30 سنة عدت على الثورة المصرية اللى خلعت مبارك من على كرسيه خلعا، وكانت تأمل فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أيوه أنا فاكر الأيام دى كويس ومش ممكن أنساها أبدا.
فاكر كويس، لما الإخوان قالوا قبل الثورة بستة أيام، وتحديدا يوم 19 يناير 2011، إنهم مش هينزلوا مع الثوار، ولما لقيوا إن الثورة تأخذ طريقها للنجاح، رجعوا فى كلامهم، وقالوا يوم 29 يناير هننزل الثورة، وفاكر كمان لما قالوا فى فبراير 2011 مش هناخد الأغلبية فى مجلس الشعب، وهننزل على ثلث المقاعد. لكن بقدرة قادر عرفنا أنهم خدوا 45%!، وكمان لما عين المجلس العسكرى حكومة الجنزورى فى نوفمبر 2011، قالوا نؤيد وندعم حكومة د. الجنزورى، وبعدين رجعوا فى 14 مارس 2012، وقالوا نرفض حكومة الجنزورى.
اللى فات دا كله كوم، وكلامهم ساعتها عن الرئاسة كوم تانى، ففى أبريل 2011 قالوا لن نقدم مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وطبعا إحنا صدقناهم، واللى خلانا مصدقينهم إن عبد المنعم أبو الفتوح لما كان قبلها رشح نفسه للرئاسة، اجتمعت الإخوان وفصلوه من عضوية الجماعة؛ لأنهم عندهم مبدأ، وقالوا كلمة ومش هيرجعوا فيها، لكن فجأة تخلت الجماعة عن مبدأها، ولحسوا كلامهم كالعادة، وأعلنوا يوم 31/ 3/ 2012 عن ترشيحهم لنائب المرشد العام خيرت الشاطر للرئاسة!
مش ممكن أنسى أبدا، اللى حصل بعد كده، لأنه لا يصدقه عقل، فرغم رجوع الإخوان فى كلامهم أكتر من مرة، لكن الناس ظلت تصدقهم– فى هذا الوقت– بل واختاروا مرشحهم للرئاسة خيرت الشاطر، وأصبح الإخوان يقبضون على الرئاسة ومجلس الشعب والشورى والمحليات و...و... . باختصار ورثوا الحزب الوطنى فى كل شىء، مع الفارق أنهم جاءوا باختيار الشعب وليس بالتزوير، كما كان يفعل الحزب الوطنى، ولكن وآه مما يأتى بعد كلمة لكن هذه، شهر العسل لم يدم طويلا بين الإخوان والشعب.
طارت الوعود ووجدت الناس نفسها فجأة أمام حزب وطنى جديد، نفس الأفعال ونفس الممارسات، بل وزاد عليها، أن من كان يقف أمام الحزب الوطنى أيام حكم المخلوع كان يعتبر خارجا على الدولة، وكان يحاسب من هذا المنطلق أما فى عصر الإخوان، فكان من يقف أمامهم كان يعتبر خارجا على الدين!!، وهذه هى المشكلة التى تأصلت فى الأذهان، والتى بسببها بدأ الناس تنفض من حول الإخوان، وبدأ ينتشر بين الناس شعار جديد، وهو الإخوان ليسوا هم الإسلام، وإنما أنا مسلم، ومن الممكن أن أختلف مع من يحكمنى، ولكنهم كانوا لا يريدون الاختلاف، وكان مبدأهم السمع والطاعة، وياله من مبدأ!!
رجعت للتليفزيون مرة تانية، وأنا أتفرج على المظاهرات التى بدأت تتسع رقعتها لتشمل جميع أرجاء مصر، وكان الهتاف يرتفع "ارحل يا شاطر"، وكنت أقول للمتظاهرين: مش إنتو برضو اللى رفعتوا الشاطر للرئاسة؟، مش إنتو كنتوا بتهتفوا ليه ورضيتوا إنه يغير الدستور عشان يفضل حاكمنا 30 سنة، زى مبارك بالظبط، دلوقتى جايين، وكل واحد فيكو عامل فيها "شاطر" ورافع إيده، وبيقول: "ارحل يا شاطر".
...ويا أحمد قوم المؤتمر الصحفى للإخوان خلاص خلص، وأعلن المرشد ترشيح الشاطر للرئاسة، ياه كل هذه الأفكار كنت بفكر فيها، وأنا بشوف مؤتمر الإخوان أول امبارح اللى رشحوا فيه الشاطر للرئاسة!! ليه بس يا إخوان رجعتوا فى كلامكم وخلتونى أفكر فيكو التفكير السيئ ده، ده الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- نفسه قال: آية المنافق ثلاث منها "وإذا وعد أخلف"، إزاى عاوزنى أصدقكم بعد كده إزاى؟!
