تمر مصر الآن بموقف قانونى متأزم فيما يتعلق بالدستور والمدى الزمنى المقرر للانتهاء من كتابته، حيث نجد أنفسنا ما بين مطرقة الوقت وسندان ضمان الحقوق فى ظل انتخابات رئاسية على الأبواب، سيكون فيها الرئيس مثله مثل البرلمان لا يعرف بأى مرجعية قانونية يحكم البلاد، هل بمرجعية دستور سقط مع الثورة أم بمرجعية إعلان دستورى حمل من الغموض أكثر من الحقوق، للخروج من هذا المأزق يحاول بعض الخبراء الدستوريين التخفيف من تأزم الموقف بتجميل وتسويق دستور 1971 مدعين أن الأبواب الأربع الأولى لا تحتاج إلى جهد كبير وإن ما نحن بحاجة إليه هو تنظيم صلاحيات رئيس الجمهورية، وفى الحقيقة هذا يعد تبسيطا مخلا وتقزيما للثورة المصرية وكأنها قامت انتقاما من مبارك فقط أو أى شخص سيحل محله، متجاهلين أن الثورة قامت ضد الاستئثار بالسلطة إلى حد التغول، أى سلطة سواء الرئيس أو البرلمان ومن ثم نحن بحاجة إلى قراءة كلية متكاملة للدستور وليس العمل عليه بمنطق التجزئة بحذف كلمة هنا أوإضافة مادة هناك، وإن كانت الدساتير المصرية المتعاقبة أكدت على العديد من المبادئ الأساسية المستندة إلى قاعدة المواطنة إلا أن وبفضل ترزية الدساتير حمل كل دستور لا سيما دستور 1971 المبدأ فى مادة وما يناقضه فى مادة تالية أوسابقة ويكفى النظر إلى باب الحريات لمعرفة كم الحقوق الأساسية التى يضمنها، إلا أن الدستور أحال للقانون فى تفصيل هذه الحقوق الأمر الذى أدى الى الإخلال بأغلبها إن لم يكن جميعها فعلى سبيل المثال الحق فى السلامة الجسدية يقابلها نصوص تحصن من يرتكب انتهاكا لهذا الحق سواء بالتعذيب أو حتى القتل أثناء الحصول على اعترافات، وتمنع أى مواطن تعرض للانتهاك من اللجوء إلى المحاكم مباشرة فى حال تقاعس النيابة عن التحقيق فى بلاغه، وهذا مثل من أمثلة عديدة برع المشرعون المصريون فى تأكيد الحق ونقيضه.
أما فيما يتعلق بالمساواة ومنع التمييز فحدث بلا حرج، هذا من حيث مضمون دستور 1971، أيضا لم يعد مناسبا من حيث الفلسفة والتوجه مع التوجه الحديث لدى فقهاء القانون الدستورى فى العالم، فلم يعد تقتصر الدساتير الحديثة فيما يتعلق بالحقوق على ذكرها فقط بل امتد لتأكيد هذه الحقوق من خلال ضمانات يتم ذكرها فى الدستور نفسه لتحصين هذه الحقوق ضد الالتفاف عليها فيما بات يعرف "الانتهاك بالقانون" بل الأكثر من ذلك هو ترتيب تبعات تترتب على انتهاك الحقوق حيث لم يعد مقبولا أن يضمن القانون الحق فى الصحة ولا يستطيع المواطن الحصول على فرصة للعلاج، أو الحق فى السكن والمواطن وأسرته يعيشون فى الشارع، ويمكن النظر إلى تعديلات الدستور المغربى 2011 وإن كان لم يلتزم كليا بالفلسفة الحديثة فى الدساتير لكنه لم يتجاهلها أيضا، لذا من المفيد كتابة الدستور بمنأى عن ضغوط الوقت حتى يتسنى لنا الاتفاق على الرؤيا والفلسفة والتوجه والحقوق وتحصينها والالتزامات على قاعدة المواطنة حتى لا نضطر لترقيع ثوب لم يعد يحتمل مزيدا من القبح.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد العباسي
المسكوت عنه في معركة الدستور !!!