هيكلة جهاز الشرطة، هيكلة القضاء، هيكلة الجهاز الإدارى للدولة بأكمله ليس هذا فقط ما يجب أن نطالب به بل لا بد من هيكلة العقول.
هل سألت نفسك ذات مرة ما قيمتك فى هذه الحياة؟ هل تبادر لذهنك من سيتأثر برحيلك فى حال انتقالك من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة يوما ما وحتما سيأتى؟،
هل هى أسرتك أم عائلتك أم كلاهما فضلا عن أصدقائك الأوفياء وفقط؟.
ألم يخطر ببالك ذات مرة حين يخلو موقعك هل سيعجز من حولك فى إيجاد من يشغل مكانك أم سيكون ذلك صعبا؟ هذه هى قيمتك فى الحياة.
إضراب هنا واعتصام هناك، هكذا أوضاع كثير من المصريين بعد الثورة فى وقت نحتاج فيه إلى أن يثبت كل إنسان مكانته وقيمته فى عمله، فى وقت نحتاج فيه إلى مضاعفة العمل لا إلى تعطيله، معظم هذه الإضرابات إن لم تكن كلها تتلخص فى بضع أو بضع عشرات الجنيهات يرى كثيرون أنها المنقذ لهم فى هذه الأيام العصيبة.
من المسئول إذا عن انحسار الفكر والعقل المصرى فى كيفية الحصول على لقمة العيش وفقط منحيا عقله جانبا لا يفكر فى علم حديث أو تطور تكنولوجى أو صناعات متطورة.
المسئول الأول والأخير هو نظام فشل، وما زال قائما يمارس فشله، فى إيجاد مؤسسة تعليمية على أسس علمية سليمة تكتشف العقول وتنتج الطاقات بل فشل حتى فى إيجاد معادلة بسيطة بين التعليم وسوق العمل وإنما خريجون بالآلاف من كليات ومعاهد لا علاقة لها بما يحتاج إليه الوطن من إمكانيات بشرية كى ينهض ويتطور.
من المفارقات العجيبة التى ترددت كثيرا على مسامعنا هى القول بأن الشباب لا يريد العمل إلا فى أماكن مناسبة لمؤهله التعليمى، كأن يكون عاملا فى مصنع مثلا، وفى المقابل ترى حربا شرسة على عمالة الأطفال وأنه لابد من أن يأخذوا حقهم فى التعليم. نعم لا بد من إيجاد حياة اجتماعية كريمة للطفل، لكن لا تأتى بعد معاناته فى التعليم بكل مراحله، وتطلب منه أن يعمل فى شىء حاربته فيه منذ صغره ربما لو تركته لصار فى وضع أفضل بكثير!!.
فى المرحلة الثانوية وضمن منهج مادة علم النفس يدرس الطلاب أن أفضل مناهج التعلم "التعلم بالتجربة والملاحظة" وفى الوقت ذاته على الطالب أن "يحفظ " أساليب التعلم فى نقاط التى من بينها التعلم بالتجربة.
هذا فضلا عن تدريس المواد العلمية بأسلوب نظرى ما يزيدها تعقيدا أو ربما تحتاج إلى عقول متميزة تستطيع فهم ما يقدم بأسلوب نظرى على أنها مادة علمية من الأجدر أن تدرس بعيدا عن أسلوب الحفظ والتلقين، كان هناك حجرة تسمى "معمل المدرسة" من المفترض أنها كانت تستغل لهذه الوظيفة ولكنى لم أذكر أن ذهبت إليها يوما وتعلمت منها شيئا كان الذهاب إليها لمجرد إثبات الحضور وفقط.
قد يكون هناك فى الكليات العلمية جانب من التطبيق العملى لمحتوى بعض المناهج، التى تدرس فى تلك الأماكن لكن ربما لو تعذر عليه فهم شىء ما سيلجأ إلى حفظه لأنه تعود على الحفظ فى مراحل التعليم الأساسى.
كثير من الطلاب إن لم يكن الكل يحلم بإحدى اثنتين أن يكون طبيبا أو ضابطا لا لشىء إلا أنه يرى أن فيهما مكانة اجتماعية مكتسبة وضمانا لدخل جيد ـ أو هكذا صورت الدراما المصرية على مر عقود ـ وإن لم يحصل على هذه أو تلك سيبحث عن أى شىء يضمن له دخلا مناسبا بعد إنهاء تعليمه ويصبح المؤهل الدراسى مجرد شهادة ربما تساعده فى الزواج وربما لا.
ضاقت مصر بأهلها إذا هكذا وصف آلاف الخريجين كل عام الذين لا يجدون فرصة عمل مناسبة لما حصلوا عليه أو تلقوه بمعنى أكثر دقة فى مؤسسات تعليمة فى كثير منها حشو معلومات ليس إلا.
إذا لم لا يتم إصلاح التعليم بشكل يعيد هيكلة العقول من خلال غرس الفكر العلمى فى نفوس الأجيال القادمة، والتخلى عن أسلوب الصم الذى أفسد علينا أجيالا سابقة وحطم طموحات وعقولا كان من الممكن أن يكون لها دور مؤثر فى الحياة.
أعتقد أن المعادلة بسيطة فقط تحتاج لأناس مخلصين فى مؤسسات الدولة، لا سيما التعليمية منها.
