عادل إمام فى السجن.. التهمة ازدراء الأديان.. ملف الدعوى حمل العبارات التهكمية على الديكتاتور والديكتاتورية فى مسرحية الزعيم، ورأى صاحب الدعوى أن هذه العبارات تعد مساسا بالذات الإلهية.
أعرف أن لدى كثيرين- وأنا واحد منهم- موقفا متحفظا من عادل إمام بسبب دفاعه فى السنوات السابقة عن جمال مبارك، ولهذا السبب لم يأخذوا الدعوى المرفوعة ضده على محمل الجد، ولم يقلقوا منها، رغم أن هؤلاء من أنصار الحرية، وضد محاكم التفتيش.. لكن عادل إمام الفنان والمبدع يختلف تماماً، هو الذى سخر من «الفكر الجديد»، شعار جمال مبارك، فى فيلم «بوبوس» الذى قدمه فى ظل النظام السابق، وهو الذى قدّم «مرجان أحمد مرجان» الذى كشف فيه حجم الفساد فى هذا البلد، وكيف أنه امتد إلى كل شىء، وكل جوانب الحياة فى مصر، وهو صاحب «السفارة فى العمارة» الذى قام بتعرية أجهزة الأمن، وما تقوم به تجاه المواطن البسيط.
كان ممكنا أن نستوعب صدور حكم ضد عادل إمام بهذه التهم فى ظل النظام السابق، أما فى عصر ما بعد الثورة.. ثورة مدنية.. مدنية، فهذا هو ما يستحق أن نتوقف عنده وأمامه. بعد قضية نصر أبوزيد وحكم تفريقه عن زوجته د. ابتهال يونس، تراجعت قضايا الحسبة الدينية والعقائدية، أقصد القضايا التى تقوم على التفتيش فى ضمائر وعقائد المبدعين، لتظهر قضايا «الحسبة السياسية» مثل الدعاوى التى رفعت ضد د. محمد البرادعى، ود. نوال السعداوى وغيرهما لإسقاط الجنسية المصرية، وفى عام 2009 تطورت قضايا الحسبة لتظهر «الحسبة المدنية»، فوجدنا قضية ضد الرئيس مبارك وعدد من الوزراء بسبب عدم اتخاذهم الخطوات اللازمة لوقف التلوث الذى تحدثه مصانع الأسمنت فى طرة وحلوان، لكننا الآن، نجد نكوصاً تاماً، وعودة إلى الحسبة الدينية والعقائدية.. والبداية مع فنان بحجم وقامة عادل إمام، ونعود ثانية إلى مأساة كنا قد تجاوزناها، ويبدو أن بيننا من يصر على الإساءة فعلاً إلى وجه الإسلام الحضارى، بالانتقام وتصفية الخصوم باسم الإسلام، وتقديم الإسلام إلى العالم كأنه دين التفتيش فى الضمائر والقلوب.
القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذى منح الإنسان حق الكفر وترك أمره إلى الله، لقوله تعالى «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وهناك الكثير من الآيات القرآنية التى تؤكد هذا المعنى، لكن بعض المتسلقين يريدون أن يجلعوا من أنفسهم مفتشين فى الضمائر والقلوب، ويمنحوا أنفسهم سلطة لم يمنحها الله تعالى لنبيه الكريم «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».
قضية عادل إمام من ألفها إلى يائها تعود بنا إلى أجواء القهر والكآبة التى عشناها فى العقود السابقة، والذى يتأمل القضية يكاد يشك أنه مر علينا يوم 25 يناير 2011 ويوم 11 فبراير 2011، حين ثار الشعب وتحرك ضد الطغيان والقمع والقهر، وأقسى مظاهر القهر، التفتيش فى الضمائر، وامتحان العقائد.
أعرف أننا إزاء حكم قضائى صدر، وهو لم يصبح بعد حكما نهائياً وباتاً، مازال أمامنا درجة أخرى من درجات التقاضى، لكن الملف برمته لا يسعد أحداً، ويسىء إلى الإسلام، وإلى مصر.. لقد بدأت موجة العداء للإسلام فى الغرب «الإسلاموفوبيا» بالتراجع بعد ثورتى تونس ومصر، وبدأ العالم يعيد النظر إلينا كشعوب محبة للحرية، ومدافعة عن كرامتها، ثم يطلع علينا من يعيدنا ثانية إلى نقطة الصفر، بالتفتيش فى القلوب والضمائر.
لقد أسقطنا فى 11 فبراير 2011 طغياناً وطاغية، لكن يبدو أن بقايا الطغيان لاتزال قائمة.. أسقطنا طغاة السياسة، وبقى الطغاة الذين يطغون باسم العقائد والأديان.
مازال أمامنا طريق طويل للنضال ضد بقية أشكال الطغيان وأنواع الطغاة.