هل يستطيع المرء أن يعيش قصة حب ناجحة على الإنترنت دون أن يرى محبوبه؟ أو من خلال كاميرا فقط، وما الصفات الجميلة التى يراها كل منهما فى الآخر كى يشعر بهذا الحب؟، وهل عندما يتقابلان يشعران بنفس الصفات التى شعرا بها من قبل؟ وهل من الممكن أن يفشل هذا الحب الشديد بعد أول لقاء لهما؟، وما الأسباب الحقيقية التى يمكن بها أن يفشل هذا الحب القوى من خلال الإنترنت؟، لو حاولنا الإجابة عن كل هذه التساؤلات وبدأنا بالأخير، لوجدنا أن من أول أسباب الفشل الذى ممكن أن يحدث هو أن هذا الفتى أو الفتاة قد رسم فى خياله أجمل الصفات التى يتمناها ويريدها فى محبوبته من عطف وحنان وحب وجمال وحسن الخلق وغيرهما من الصفات الجميلة التى يتمناها فى زوجة المستقبل، وهى أيضا كذلك ومن خلال الكلمات إذا لم يكن هناك كاميرا قد يتصورها فى عقله كذلك فى أجمل صورة ويرى بعينه هو ما لا يكون موجودا بها وقد يراها، ويتصور شكلها وصوتها فى أبدع صوره تعجبه هو وهى أيضا كذلك، وكل منهما يظهر للآخر أجمل الصفات الخلقية به حتى ولو لم تكن موجودة به أو بها من رقة وذوق وأدب وتواضع وغيرها من الصفات الجميلة، وحتى مع وجود الكاميرا فكل منهما يحاول أن يخفى عيوبه عن الآخر ولا يظهر منها إلا ما هو جميل وطيب من وجهة نظره.
ومع أول لقاء لهما فى الواقع قد تختلف الصورة عنده أو عندها تماما، عما هى عليها فى الحقيقة، فمنهم من يكمل الطريق ويعطى نفسه الفرصة ويعطيها أيضا هذه الفرصة فى التأقلم مع الواقع الذى يعيشانه سويا، هذا لأنه قد تعلق بها روحيا ونفسيا من خلال تعرفه بها على النت وأصبح لا يستطيع أن يبتعد عنها، وبذلك ممكن أن تستمر قصة الحب هذه بنجاح، ولقد سمعنا عن قصص كثيرة ناجحة بفضل الله، ويمكن أن يكون ذلك مرجعه لمدى صدقهم فى الحديث مع بعضهم ومراعاة الله فى كلامهم، ومنهم من يصدم ولا يتقبل الوضع وسرعان ما ينهار هذا الحب الشديد، ويلوذ هو أو هى بالفرار من الموقف كله ويظل يعيش حياة الوهم مرارا وتكرارا مع كل فتاة ولا يرضى بالواقع أبدا، فقد عاش على الإنترنت قصصا كثيرة وفى مخيلته صورة واحدة لا يرغب بغيرها بديلا.
وإذا نظرنا لهذا الموضوع من الجانب الخلقى والدينى من ناحية الشرع فكل ذلك يعد حراما ولكن أكثر الناس يقعون فيه وأخشى عليهم من غضب الله، فليس هناك ما يدعى بالصداقة بين الرجل والمرأة، أو بين الفتى والفتاة إذا كانا بالغين فكل منهما يجوز له أن يتزوج الآخر فلا يحق لهما أن يتحدثا بما يغضب الله عليهما، من القول، فأرجو من كل فتى وفتاة أو رجل وامرأة أن لا يطلقوا لأنفسهم العنان ويندفعوا وراء غرائزهم وشهواتهم ويتحكموا فى عواطفهم وعقولهم ويسيطروا عليها حتى لا تكون العواقب وخيمة عليهم، ويبوءوا بغضب من الله ورسوله.
وأجد صورا كثيرة لأناس كثيرين يقعون فى المعصية أو الزنا والعياذ بالله وتنقلب حياتهم رأسا على عقب نتيجة استجاباتهم لهذا الحب وانجرافهم وراء هذا التيار الذى يدفعهم دفعا للوقوع فى الخطأ أو الرذيلة وأن تحدث مشاكل كثيرة هم فى غنى عنها، وينتج عنها تهدم الأسر أو ضياع حقوق الفتيات اللاتى يتزوجن زواجا عرفيا، وبدون معرفة الأهل ويترتب عليه وجود أطفال أبرياء مطعون فى نسبهم وغير معترف بهم، وذلك بعد أن تمزق هذه الورقة ليضيع آخر أمل لديهم ليعترف بهم وبحقوقهم عليه (أى الأب)، فالناس تختلف شخصياتهم عن بعض وليس كل الناس أخيار، كما نظن فمنهم الصادق ومنهم الكاذب أيضا، ومنهم العاقل السوى، ومنهم المجنون المختل، فالناس تختلف من ناحية الشكل ومن ناحية الصفات والطبائع، وأنا أنصح أبنائى كل فتى وفتاة وخصوصا فى سن المراهقة أن لا يندفعوا وراء عواطفهم البريئة ويتصوروا أن هذا هو الحب.
دمن يحب أحدا يخاف عليه حتى من نفسه، ويخشى عليه من أن يغضب الله عليه بسببه، أو أن يتكلم أحد عليه ويراعى الله فيها أو فيه، هذا هو الحب الحقيقى العفيف، وإذا شعر الفتى بهذا الحب الصادق لأول وهلة فعليه أن يتقدم لخطبتها من أهلها، ولا يعرض عليها الزواج من ورائهم أو من خلال زواج عرفى بدون رضا أهلها وحتى لو عرضت عليه هى ذلك، لا يقبل به أبدا لكى يرى هذا الحب النور ولا يعيش فى الظلام مع الإنترنت.
وأقول لكل الآباء والأمهات "يسروا ولا تعسروا" لأننا أصبحنا فى زمن غير الزمن، هذا هو زمن الإنترنت بكل ما يحمله من خير أو شر ولنعمل بقول الرسول الكريم لنا "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير" صدق رسول الله"صلى الله عليه وسلم".
وفى النهاية أعلم أن كلامى هذا قد يبدو رجعيا وليس فى زمانه لكنى أرى أن الأخلاق ليس لها زمان أو مكان محدد، وأن القيم لا تتجزأ فما هو حرام ومكروه ومعيب من 100 عام مازال وسيظل حرام ومكروه ومعيب حتى تقوم الساعة.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
