محمد حمدى

فلترقد بسلام يا زين النيل

الجمعة، 27 أبريل 2012 10:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أمس اتصل بي صديق ليبلغنى كلمتين فقط: زين مات.. استسلمنا لصمت رهيب، وبدأت بعض الدموع تنساب بشكل تلقائى، منى ومنه، ودار فى مخيلتى شريط طويل جداً من الذكريات تمتد لأكثر من 15 سنة جمعتنى بأخى وصديقى الصحفى والشاعر السودانى زين العابدين أحمد محمد، ظل خلالها وجه زين الأسمر الجميل البشوش حاضراً فى خيالى، ولم تغب عنه ابتسامته الحانية، حتى وهو يبلغنى قبل عدة أشهر بإصابته بالسرطان.

فرقنا الزمن والعمل، لكننا لم نتوقف عن الاتصالات الهاتفية، واللقاءات المرتبة، وحتى المقابلات بالصدفة فى وسط القاهرة حيث كان يفضل أن يتنقل بين الناس، قابلته قبل عدة أشهر مصادفة بجوار صيدلية الإسعاف، تبادلنا السلام بالطريقة المصرية والسودانية، وجلسنا نتكلم فى محطة المترو أكثر من نصف ساعة، وقبل أن نفترق فاجأنى بجملة عارضة وهو يبتسم كالعادة: لقد أصبت بالسرطان، وأكمل الحديث وكأنما تعرض لنزلة برد.

بعدها بشهرين داهمنى نفس المرض، فاتصلت به لأبلغه أننا أصبحنا زملاء حتى فى الإصابة بالسرطان، وضحكنا كثيراً، لكن روح زين المرحة ألهمتنى خريطة طريق للتعامل مع هذا المرض اللعين تقوم على التعامل معه باعتباره مثل أى مرض آخر، لا يستحق أن يسيطر علىّ، ولا أن يجعلنى أسيراً له ولهلاوسه، لكن يبدو أن جسد زين المرهق لم يصمد كثيراً فهاجمته الأورام السرطانية حتى استسلم لها وفاضت روحه.

ولد زين وعاش فى السودان حتى الانقلاب الذى قادته الجبهة القومية الإسلامية، حيث جرى اعتقال وتعذيب السياسيين والصحفيين والمثقفين المعارضين، أما زين فقد اتبعت معه السلطة الغاشمة طريقة أخرى مهلكة تقوم على استدعائه صباح كل يوم إلى مقر الأمن، حيث يخضع للتحقيق والإهانة بدون طعام أو شراب حتى آخر الليل، ثم يخلى سبيله فيعود لمنزله مرهقاً عليلاً، وبعد عدة أشهر وبضغوط من أسرته، هرب زين إلى القاهرة حيث استقر وعمل مراسلاً لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية من القاهرة.

عاش زين فى مصر 21 عاماً، منها أكثر من عشر سنوات لم يعد فيها إلى الخرطوم، حتى كانت أول زيارة له، حينما قرر الراحل أحمد الميرغنى العودة إلى الخرطوم فى إطار مصالحة بين الحزب الاتحادى والحكومة السودانية، وسافرنا مع الميرغنى على طائرة خاصة كان معنا فيها الزميلان حمدى رزق، وأسماء الحسينى، عاد زين إلى وطنه وبيته بعد سنوات من الغياب.. وكانت المرة الأولى التى أرى فيها زين وهو يبكى لرؤية تراب بلاده رغم أنه كان يعتبر مصر وطنه، ولم يعش فى القاهرة غريبا أبداً.

زين العابدين أحمد محمد لم يكن صحفياً سودانياً لاجئاً إلى القاهرة، وإنما محطة لكل السودانيين القادمين من السودان، والعابرين من شتى أنحاء العالم، لذلك لم يكن غريبًا أن أجد اتصالًا منه يبلغنى أن فى بيته مطرب أو صحفى أو سياسى سودانى جاء إلى القاهرة، ومر على زين، وبالتالى يبلغ زين أصدقاءه المصريين حتى يلتقونه، وتتعزز أواصر العلاقات بين الشعبين.

فى منزله بشارع جول جمال بالمهندسين، جمع زين بطيبته المفرطة، وحبه للناس والحياة، الكثير من البشر، لم يفرق بين كبير وصغير، وفى رحلته الصحفية والإنسانية بالقاهرة، علم زين مهنة الصحافة لمئات من الصحفيين الشباب فى مصر، الذين عملوا معه فى الشرق الأوسط أو فى صحيفة الاقتصادية السعودية، وغيرها من الصحف السودانية التى كان يراسلها.. رحل زين وقد ترك لنا رصيداً من الحب والطيبة والسماحة يندر وجوده فى إنسان، لكنه تجسيد حقيقى لابن النيل الطيب، أسمر البشرة، شرب من ماء النيل، فرسم له شخصيته، وكتب له مسيرة حياته، وكما النيل يعطينا الحياة فى مصر والسودان دون مقابل، ظل زين حتى رحل يساعد ويعطف ويحنو على كل من يعرفه أو لا يعرفه دون مقابل، بطبيعة نيلية كان زين هو التجسيد الحقيقى لها.

وداعاً يا صديقى زين الجميل الطيب ابن النيل.. أودعك بكلماتك من أغنيتك التى غناها المطرب السودانى عماد أحمد الطيب:

ابتسامتك حاجة تانية.. وابتسامتك حاجة تانية
والفرح ما عنده معنى فى عيون من غير عيونك
الزمن لو كان بايدينا.. كان نوقفه بس عشانك
نبقى فى حضرة عيونك.. تحسد الأزمان زمانك
أسالك لو ما عيونك.. كنا كيف من غير حنانك
ابتسامتك حاجة تانية.. وابتسامتك حاجة تانية
***

ابتسامتك لن ترافقنى حتى ألقاك يا زين النيل





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد الفاتح

انا لله وانا اليه راجعون

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد جمال عرفة

رحم الله زين وعافك اخي العزيز من المرض

عدد الردود 0

بواسطة:

محمدجامع

تعزيه

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية جدا

مقال انسانى مؤثر

عدد الردود 0

بواسطة:

عصام الجزيرة

رحم الله الفقيد ابن النيل ..

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

رحمه الله الفقيد زين ...

عدد الردود 0

بواسطة:

اسيا موسي

زين يا رجل بقامة وطن

عدد الردود 0

بواسطة:

هيثم السيد

شكرا حزينا

عدد الردود 0

بواسطة:

م.معاذ محمد حسن

حقا مصاب

عدد الردود 0

بواسطة:

سمارا

ورحلت يالزين ياعمر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة