ما إن تناقلت وكالات الأنباء خبر إلغاء اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل حتى بدا شيطان ماكر يهمس فى أذنى بعدة تساؤلات لم أجد لها إجابة، أول تلك الأسئلة هو لماذا تم إلغاء هذه الاتفاقية فى هذا الوقت تحديدا؟
خلال السنة المنقضية من عمر الثورة والمجلس العسكرى يلجأ دائما، عندما يحتدم الصراع بينه وبين القوى السياسية سواء كانت ليبرالية أو إسلامية وتخرج المليونيات ضده، إلى عصا موسى؛ ليغير دفة الإعلام نحو قضية أخرى يرتدى بها الثوب الوطنى، لكسب بعض التأييد الشعبى، ويزيل حدة الاحتقان ضده.
وهذه الوسيلة استخدمها المجلس العسكرى فى مواضع عدة، فعندما ثار الرأى العام فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، خرج علينا بقضية التمويل الأجنبى، وقال الجنزورى وقتها "نحن لن نركع لأحد" وما شابه ذلك، وعندما هدأت الأمور جزئيا مع الميدان، تلاشت هذه القضية، دون أن نعلم أين الحقيقة، فمن أثاروها هم من أخمدوها.
ثم يخرج لنا فيديو كواليس تنحى مبارك الشهير عقب أحداث محمد محمود كى يبعث برسالة للشعب بأنه كان وراء رحيل مبارك وعند سؤال اللواء إسماعيل عتمان، لماذا الآن يتم عرض هذا الفيديو؟ قيل أنه تم تسريبه دون علم المجلس، فلماذا فى هذا التوقيت تحديدا، ومن ذا الذى يجرؤ على اختراق المنظومة العسكرية وتسريب هذا الفيديو.
ثم يأتى خبر إلغاء هذه الاتفاقية الآن مع تصاعد حالة التوتر الشعبى تجاه المجلس العسكرى، وخروج المليونيات الواحدة تلو الأخرى.
ولعل هذا الأسلوب أسلوب قديم كان يتبعه مبارك، والكل بالطبع لا ينسى ظهور وباء أنفلونزا الطيور عقب أحداث غرق العبارة السلام 98، وأحداث الجزائر المفتعلة، وما شابه ذلك.
السؤال الثانى هو نستطيع إلغاء هذه الاتفاقية وهل هذا قرار سياسى أم تجارى بحت؟
للإجابة على هذا السؤال دعونا نعود للحوار الصحفى الذى عقدة الأستاذ عادل حمودة مع عمر سليمان منذ أسبوعين تقريبا، عندما رد على اتهامه بأنه وراء تصدير الغاز لإسرائيل، فأجاب أن جهاز المخابرات العامة كان يرى أنه تأمين حدودنا مع إسرائيل لا يتم إلا بإقامة مشروعات حيوية استراتيجية بينهم، لخلق سلام آمن قائم على المنفعة المتبادلة.
وكان هذا أيضا هو رأى الفريق أحمد شفيق، الذى رد بصراحة شديدة على الأستاذ عمر الليثى بأنه لا يستطيع إلغاء هذه الاتفاقية فى حال وصوله إلى سدة الحكم، وهى صراحة يحترم عليها، أى أن القيادة السياسية تعلم علم اليقين أن إلغاء الاتفاقية أمر مستحيل.
وإذا كانت الشركة المصدرة للغاز تدّعى أن هذا الفسخ تم لإخلال إسرائيل ببنود التعاقد من التأخر فى دفع المستحقات المالية، وبما أن تصدير الغاز هو أمر حتمى لإسرائيل- كما تدعى- فهل ستتباطأ لهذا الحد أمام أمر استراتيجى بهذا الحجم؟ أهى بهذه الحماقة السياسية أم خزائن اليهود فرغت من سداد ثمن الغاز لمصر، وإن كانت خزائنهم قد فرغت، فهل فرغت خزائن أمريكا؟
وإذا كان هذا القرار تجارياً بحتاً، فهل يستطيع رئيس الشركة المصدرة أن يتخذ هذا القرار دون موافقة المجلس العسكرى، وهل يستطيع المجلس العسكرى الموافقة عليه دون موافقة أمريكا؟ وهل يمكن أن توافق عليه أمريكا دون علم إسرائيل، وإذا كانت إسرائيل تعلم مسبقا بهذا الأمر، فمن المؤكد أنها استطاعت توفير البديل.
مما سبق سيتضح لنا أن حل هذا اللغز لن يخرج بنا عن احتمالين لا ثالث لهما، أما أن تكون هذه المسرحية العبثية لامتصاص غضب الشارع المصرى تجاه المجلس العسكرى باختلاق موقف وطنى يمثل معبرا يخرج به المجلس العسكرى الشارع المصرى، من موقع المناهض إلى موقع المؤيد أو تكون مساومة دولية، لموافقة البنك الدولى على منح مصر القروض التى تحتاجها لدفع العجلة الاقتصادية.
أيا كان الأمر فعلى المجلس أن يتعامل بقدر كبير من الشفافية مع شعبه ويوضح موقفه قدر المسموح، فالموقف لا يحتمل المزيد من الغموض.
