قامت بعض التيارات الإسلامية الدعوية فى مصر بالانخراط فى السياسة رغم تحذيرها الدائم للمسلم بأن يتجنب الوقوع وسط البيئات المشوبة بالشبهات، لأنها قد تدفع المرء للتدليس والكذب وتزييف الحقائق وعدد لا بأس به من النواهى، والسياسة بلا شك هى بئر النفاق الأعظم، فقال البعض إنه من حقنا أن نشارك، والبعض الآخر أرجع سعيه إلى السياسة إلى إنقاذ الكرسى من الآخر السفيه الداعى للانصراف عن الشريعة الإسلامية، وحقه أن يدافع عن رؤيته.
لكن أكثر ما أدهشنى هو شىء واحد، أشمعنى السياسة بس!، فإذا كان المسلم عليه أن يخترق غواشى منهى عنها فى وسط معين كى يبطل اللغو ويثبت عكسه، فلماذا السياسة وليس الثقافة مثلا؟!، أين هذه التيارات من الانخراط فى الوسط الثقافى والتحاور مع أطرافه لإرساء نظرة إسلامية شاملة.
فإذا كانت النية هى بناء الوطن وتهيئة أبنائه، فالثقافة هى خطوة فى أول هذا الطريق، أما السياسة فهى مجرد مجموعة من الممارسات الجافة تهدف إلى تسيير الحياة وليس نشر القيم والأفكار، لذلك فالسياسة هى الخطوة الأخيرة فى بناء مجتمع مستقر وواعى أصلا.
لا أحد يستطيع أن ينكر عظمة الإسلام فى قربه الشديد إلى العقل وتباحثه ومناقشته لشتى الأمور التى تبدر على ذهن الإنسان العادى، أما أن يتم توجيهه لوسط دون آخر بدعوى الإصلاح، فهذا تحجيم له، ليست السياسة هى الأرض الوحيدة الصالحة للعزق، فأين المسلم أذن من قضايا العصر فى الفن والثقافة والأدب والنقد والبحث العلمى وغيره، فلو تذرع البعض بأن هذه أوساط فيها شبهات، فلماذا لا تقدمون وجهة نظركم الإسلامية لتطبيقها ومناقشة أبعادها المتعلقة باجتهادات بشرية.
من ينتقل من الدعوة مباشرة إلى السياسة والحكم، قد يكون راغبا فى الحكم بشدة أو يفتقر لرؤية موضوعية لجوانب الحياة، لأنه لو الهدف هو إصلاح وتنمية إنسان فإن ذلك يمكن أن يتم بعدة طرق تأتى السياسة خلفها على طبق من ذهب دون اللهث وراءها، والنبى محمد عليه الصلاة والسلام قام بالدعوة إلى الله ثم أخذ يفصل ملامح هذه الدعوة، ثم بنيت الدولة بعد الأفراد ثم أرسيت سياساتها، لكنه لم يصفع الناس مباشرة بأيات قرآنية وأحاديث ولم يدفعهم بإجبار سياسى عنيف لشىء عظيم اسمه "الإيمان".
أحمد لطفى يكتب: أيها الإسلاميون.. أين الانخراط فى الثقافة؟
الأربعاء، 25 أبريل 2012 01:26 م