ألف مليون مبروك، فبعد طول انتظار أوقفنا تصدير الغاز لإسرائيل، لتصحيح خلل وعوار فادح فى الاتفاق المبرم بهذا الخصوص مع الحكومة الإسرائيلية فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، وكان يمثل ضررًا بالغًا للاقتصاد المصرى، لأن تل أبيب كانت تحصل عليه بثمن بخس. ولم يتردد المصريون فى التعبير عن ابتهاجهم وفرحتهم بالقرار المفاجئ، الذى طالب الكثيرون باتخاذه منذ مدة على الأقل لإنقاذ البلاد من أزمة شح الغاز، وما يسببه ذلك من مشاحنات ومعارك تزيد من متاعبنا وتعرقل تحركنا على طريق البناء والإصلاح.
عظيم جدا، غير أن فرحتنا بهذه الخطوة جعلتنا نغفل ـ كالعادة ـ استيضاح عدة أمور كفيلة بتوضيح الصورة الحقيقية والكاملة للقرار قبل الانجراف فى التهليل والرقص على وقع نغماته، وبناء قصور على الرمال معرضة للانهيار مع قدوم أول موجه. فحينما زف الخبر السعيد كان مصدره الشركة القابضة للغاز المصرية "إيجاس"، التى أكد المسئولون فيها أنهم حسموا أمرهم بوقف التصدير، نظرًا لعدم التزام شركة البحر المتوسط للغاز ـ أسسها رجل الأعمال الهارب حسين سالم ـ بسداد المستحقات المالية المتراكمة عليها، وأن المسألة تجارية بحتة وليست سياسية.
كنت أتمنى تصديق هذا الكلام الجميل الذى يذكرنى بما ألفناه فى زمن النظام السابق، حينما كانت تتخذ قرارات ومواقف لا نفهم دوافعها وأسبابها، فهناك فجوات وخلفيات مفقودة فيه تدفعنى لوضع يد على قلبى من الخوف، فقد لدغنا مرات عديدة من قرارات مماثلة كانت ترفعنا لعنان السماء قبل أن نكتشف أننا نهوى بسرعة الصاروخ إلى أسفل، ولنا العبرة والمثال فى حكاية السماح بهروب المتهمين الأجانب فى قضية تمويل المنظمات المدنية، بعد أن توهمنا أن أحدًا لن يزحزحنا من مكاننا وأننا استعادنا سيادتنا وهيبتنا الغائبة.
فمثل هذا القرار، لا يملك رئيس شركة ولا وزير البترول ولا الحكومة البت فيه دون موافقة أعلى سلطة فى البلاد، فهناك جانب سياسى فى الموضوع يتصل بإسرائيل المتحفزة لمصر منذ الإطاحة بكنزها الاستراتيجى مبارك، وصدمها حجب الغاز عنها الذى سيكون له تداعياته غير المحمودة على اقتصادها. فالقصة أكبر من متأخرات مالية، فمن الواضح أننا بصدد توجيه رسالة شديدة اللهجة لتل أبيب، عقابا لها على سلسلة إجراءات اتخذتها فى الشهور الماضية، وما يدعم ذلك تصريحات المشير حسين طنطاوى مطلع الأسبوع الجارى بأن الجيش المصرى لديه من القوة وجاهز لقطع يد من يتجرأ على مدها على مصر.
وعندما تتطلع إلى الحقائق على أرض الواقع، فإنك ستصعق من أفعال إسرائيل، فهى تحذر مواطنيها على الفاضى والمليان من الذهاب لسيناء تحت زعم أنها باتت مرتعا لجماعات مسلحة تستعد لمهاجمة القوات الإسرائيلية المنتشرة على الحدود الفاصلة بين البلدين، وأن شبه جزيرة سيناء أضحت خارج نطاق سيطرة السلطات المصرية، وتبنى سياجًا حدوديًا بارتفاع 8 أمتار بطول 213 كيلو مترًا. فى الوقت نفسه بعث المتطرف أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلى، بمذكرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، يطالب فيها بإعادة تشكيل فليق الجنوب الذى تقرر حله، عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتشكيل وحدات قتالية مجهزة ومدربة جيدًا، ورصد موازنة لمواجهة أى سيناريو لخرق مصرى للاتفاقية، وإدخال قوات مدرعة لسيناء، وختمها بأن مصر الثورة تمثل تهديدًا لإسرائيل يفوق التهديد النووى الذى تشكله إيران. فهل قررنا قرص ودن إسرائيل بقرارنا الأخير الذى أدعو الله أن يصمد وألا يتم التراجع عنه بضغط أمريكى، خاصة وأن واشنطن راعية لاتفاقية السلام المصرى الإسرائيلى وتعد شريكا ثالثا فى عمليات تصدير الغاز. وإن كانت تلك هى الحقيقة فلماذا لا تصارحنا الجهات المعنية بها، وأن كانت ترغب فى الحفاظ على مواردنا وثرواتنا الطبيعية من سوء الاستغلال أو تعظيم الاستفادة منها فلما لا يوضح هذا، حتى تتوافر المساندة الشعبية اللازمة؟ واعذرونى إن طالبتكم بترشيد فرحتكم بوقف الغاز، فالحجاب لم يرفع بعد عن الحقيقة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علي محمد علي
ماتتقنونه هو ترديد الكلام