لم تعد سياسات القمع أمرا مسلما به، فالميدان أكسب الجميع حق الاعتراض على الأوضاع الروتينية وجعل من الأفواه الصامتة أبواقا تطالب بالحرية والثورة على الأفكار الجامدة، حيث أصبح الخروج على الحاكم فريضة، ورفض جملة سياسات احتكرت عقولا لسنوات تحت شعارات تتاجر بالاستقرار ومنع الفوضى نوع من المقاومة السلمية، ولكن عندما يحاول البعض فى أمس الحاجة للانتقال للمرحلة الانتقالية العودة بعقارب الساعة للخلف محاولا تثبيط همم كوادر شبابية، ملوحا بسيف الفصل أو الحرمان من امتيازات العشيرة لمجرد أنه سيد قراره ويمتلك مفاتيح رضوان، فالعصيان يصبح هو الحل.
أصحاب أيديولوجيات مختلفة بدو ويسار وإخوان يختلفون فى المرجعيات الفكرية، إلا أن جميعهم اجتمع على رفض سياسة القمع وتفرد أصحاب السلطة بالقرارات، «اليوم السابع» تحاورت معهم وفتحت ملف المنشقين.
الشباب وشيوخ القبائل فى سيناء
سعيد العتيق ناشط سياسى من بدو شمال سيناء ومن المناهضين لسياسة شيوخ القبائل التى وصفها بأنها «استخبارية من الدرجة الأولى» بعدما أصبح شيخ القبيلة أداة مضمونة لتحقيق مصالح النظام على الأرض حتى لو كانت فى غير مصلحة العشائر، يقول سعيد: إن هناك مواقف احتجاجية من شباب العشائر ضد الشيوخ، ويضيف، أحيانا مشايخ القبائل يتسببون فى احتكاكات مع قبائلهم لأن الشيخ ولاؤه الأول يكون للأجهزة الأمنية وليس لقبيلته أو عشيرته.
وضع الشيخ بالتعيين وليس الانتخاب يثير غضب الكثيرين من شباب العشائر والقبائل، وحسب رواية سعيد فإن اختيار المشايخ وتعيينهم يتم بأمر من الجهات السيادية بالدرجة الأولى، يقول العتيق «كيف لنا أن نثق فى رجال يتقاضون أجرا من الجهات الحكومية».
بعد الانتخابات المحلية الأخيرة تقدم شباب البدو بالعديد من المقترحات للمحافظ باعتباره الجهة التنفيذية الوحيدة لتعديل طريقة اختيار المشايخ لتصبح بالانتخاب وليس بالتعيين، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة رفض الأجهزة الأمنية لمقترحاتهم، يقول العتيق: لابد أن يكون الشيخ رجلا من رجال الدولة، الأمر الذى يؤدى بالضرورة لإحداث انفصال تام بين شيوخ القبائل والشباب، فالشباب لديهم فكر متطور يرفضون استخدام نفس الأسلوب الرجعى الذى كان يتبعه النظام السابق، ومعظم الشيوخ أصبحوا يفتقدون للحزم داخل القبيلة، ويضيف، السياسة الأمنية التى يتبعونها قد تدفع شيخ القبيلة إلى تكميم أفواه المعارضين أو النشطاء فى القبيلة وتهديدهم بسلاح الإبلاغ عنهم، فالأجهزة الأمنية تحاول جعل المشايخ عينا لها داخل القبائل.
«الجهات الأمنية تتعامل مع شيوخ القبائل كما يتعامل الاحتلال الأمريكى مع مشايخ الصحوة بالعراق»، هكذا وصف العتيق حالهم مع المشايخ، مؤكدا أن سياسة النظام السابق لاتزال تقف على قدم وساق من خلال شيوخ القبائل، مضيفا، «حدث نوع من عزل المشايخ داخل القبيلة، فنحن أصبحنا لا نلتقى بهم ونرفض توقيعاتهم على أى أوراق حتى لو كانت أوراقا هامة، فاستخدام الأجهزة الأمنية للمشايخ أدى إلى شرخ وانقسام داخل القبائل، فالشيوخ فقدوا شرعيتهم داخل القبيلة، دون أن يدروا أن الجهات الأمنية تسعى لتفكك القبائل واتباع منهج فرق تسد».
المحاولات المستمرة للأجهزة الأمنية لامتصاص غضب الشباب غير المستأنس داخل القبائل يصفها عتيق «بالساذجة»، قائلا: «محاولات أجهزة الأمن لتبييض أوجه مشايخ القبائل حتى يتسنى لهم التعامل مع أزمات عشائرهم فى المستقبل تبوء دائما بالفشل، مثل محاولات توفير فرص عمل وتمريرها عن طريق الشيوخ، وهو أمر بالغ السذاجة فالشباب المعارض والذى يمثل النسبة العظمى فى القبيلة يرفض تلك المحاولات، لأن شباب القبائل بعد الثورة أصبح لديهم فكر متطور فى جميع المجالات بدءا من تنمية مناطق سيناء وانتهاء بطريقة الإدارة داخل القبائل بهدف التحول إلى مجتمعات عصرية، وهو الأمر الذى تقاومه الأجهزة الأمنية التى تعمل بنفس الطريقة القديمة وتكون النتيجة أنها تستخدم المشايخ للحفاظ على الأمن الداخلى لإسرائيل».
مصطفى الأطرش الناشط السياسى من قبيلة الترابين، اتفق مع ما ساقه العتيق مؤكدا أن سياسة الأجهزة الأمنية لاتزال قائمة فى سيناء وتتبع نفس الأساليب السابقة، خاصة استخدام المشايخ لتبييض وجه النظام -على حد تعبيره- قائلا: «مشايخ القبائل جزء من فساد المجتمع السيناوى لذا أصبحنا لانعترف بهم ولا بقراراتهم».
كانت بداية الصدام بين الشباب ومشايخ سيناء، فى عام 2004 حسب رواية الأطرش الذى يتابع: منذ 8 سنوات وقع مشايخ سيناء إقرارا بأن أى شخص من أبناء سيناء مطلوب من الأمن يعتبر فى مقام المهدور دمه، شخص بتلك المواصفات كيف أطمئن له وأعتبره مسؤولا عن أمن وسلامة النساء والأطفال فى المقام الأول.
ويتابع الأطرش: منذ عدة أشهر حاولت جهة سيادية إحكام السيطرة على الأصوات المعارضة داخل سيناء قبل اجتماع المجلس العسكرى بشيوخ وشباب سيناء، «واجتمعت مع شيوخ القبائل وبعض الشباب المستأنس «شباب المكاتب» لمنع الأصوات المعارضة من أبناء العريش وبئر العبد من الظهور أمام المجلس العسكرى».
وأكد الأطرش أن انفصال معظم شباب القبائل لم يأت من فراغ، فاستمرار اتباع المشايخ للسياسة القديمة والحفاظ على رؤية النظام لأرض سيناء واستمرارها أرضا بورا لا يصب إلا فى مصلحة إسرائيل، ويضيف: «نظرتنا للشيوخ معروفة فهم عندما يتحدثون عن أنفسهم وليس عن أبناء القبيلة، فنحن نعتبرهم عمالة استخباراتية %100، شيخ القبيلة شخص منزوع الصلاحيات ودائما نرفض التوقيع على بياناتهم لأنها تعبر عن غير صالحنا».
ممارسات شيوخ القبائل أثارت احتقان أبناء سيناء وجعلتهم يتجاوزون قراراتهم وسياساتهم جملة وتفصيلا، وهو ما يؤكده سعيد المقلوظ من قبيلة السواركة، قائلا: «مقومات التعيين غير موجودة فى عائلتنا ونعانى من خلافات جذرية مع شيوخ القبائل، ويضيف: محاولتنا لدفع ابن عمى لشياخة القبيلة باءت بالفشل لرفض الأجهزة الأمنية لتعيين شباب القبائل رغم إتقانه للغات أجنبية وحصوله على شهادات عليا فى التعليم، فالخوف على مصالح الأجهزة الأمنية التى يحافظ عليها شيوخ القبائل أهم من تطوير حال القبائل فى سيناء، إلا أن استمرار شعور الشباب بأن شيخ القبيلة مخبر على عشيرته سيؤدى لانفجار قريب ومحتمل».
شباب الإخوان والانفصال عن الجماعة
حققت جماعة الإخوان المسلمين أرقاما قياسية فى معدلات تمرد الشباب والخروج الاختيارى من الجماعة والتنظيم، فمنذ شهر أكتوبر 2011 توالت عمليات الفصل والانشقاقات من الجماعة، البعض أرجعها لخلافات تنظيمية والبعض الآخر أعلنها صريحة لرفضه سياسة السمع والطاعة، فإذا كان الشباب قد نجحوا فى إسقاط رأس النظام فليس من المعقول أن تتجاهل قيادات الجماعة تصوراتهم وآراءهم.
أحمد عبدالجواد أحد الشباب المفصولين من جماعة الإخوان المسلمين أكد أن فصله جاء دون وجه حق مضيفا، «تم فصلى وآخرين من الجماعة للاعتراض على طريقة أداء وتوجيه القيادات الكبيرة للزخم الثورى، فلم تستطع القيادات الحالية امتصاص غضب الشباب واعتراضاتهم، فالثورة أعطت الجميع الفرصة للانفتاح على الآخر والتعايش مع الجميع دون احتكاكات أو التسبب فى أى خسارة، والقيادات الحالية غير معتادة على وجود اعتراضات داخل الجماعة أو الخروج عن مبدأ السمع والطاعة حتى لو بوجه حق، على عكس القيادات التى عاصرت مرحلة الانفتاح الذى أسسه حسن البنا مثل كمال الهلباوى، وهو ما تسبب فى حيرة كبيرة لدى قطاع كبير من الشباب أدت لاحتجاجات وسلسلة من الاعتراضات لم يستطع جيل القيادة تفهمه فتسببت إما بالفصل أو بالانشقاق».
الخطأ التنظيمى الذى تعانى منه جماعة الإخوان المسلمين كان أهم أسباب فصل عبدالجواد من داخل الجماعة، حسب قوله، ويضيف «اللجنة التى تم انتدابها للتحقيق فى التظلم الذى قدمناه لمكتب الإرشاد ضد قرار فصلنا لم تجد أى صدى لدى مكتب الإرشاد، رغم توصياتها بإلغاء قرار الفصل».
شباب «التجمع»
شباب حزب التجمع كانوا فى مقدمة الشباب اليسارى، الذى قاد الاحتجاجات ضد القيادات التاريخية للحزب، التى تعايشت لفترة طويلة مع نظام مبارك، ومن جانبه يرى أحمد بلال عضو اللجنة المركزية بحزب التجمع، أن شباب الحزب نظم احتجاجات واسعة ضد الانفراد بالقرارات من قبل قيادات الحزب، وأضاف: الانفراد بالقرارات كان أمرا مرفوضا من شباب الحزب، الذى هو بيت اليسار المصرى والوضع الحالى غير مرض بالنسبة لمكانة الحزب ولا يستطيع أى عضو لديه ولاء حقيقى لحزب التجمع إلا أن يبدى القلق مما يحدث لهذا الكيان الكبير».
اعتراض الشباب على تدخل القيادات فى صميم أفكارهم كانت الشعلة، التى أشعلت فتيل المقاومة ضد فرض السيطرة عليهم، يقول بلال «القيادات لم تكن بالمستوى الثورى المطلوب، وبالتالى خضنا ضدها احتجاجات واسعة، فضلا عن تدخل القيادات فى الهيئات الشبابية داخل الحزب، وغلبة المصالح الشخصية على المصالح الحزبية».
من جانبه فسر على ليلة رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ظاهرة ثورة الشباب على الشيوخ بأنها خروج عن سطوة النظام بكل مفرداته، قائلا: «قيام الثورة أدى لموجة تحرر كاملة أزاحت غطاء الكبت الذى كان يسيطر على عقول الشباب، فما حدث هو تحرر عقول وإرادة الشباب من جميع التنظيمات ليس فقط من سطوة النظام السياسى لتمتد للتحرك من سطوة كبار السن»، فيما أوضح أحمد عبدالله أستاذ الطب النفسى أن ما يحدث هو صراع بين جيلين، الأول يتمثل فى شباب متصل بعالم تكنولوجيا المعلومات استطاع تطوير نفسه وأفكاره على منوال يتناسب وطموحاته سواء الشخصية أو طموحاته للأرض، التى ينتمى إليها وبين جيل آخر متمثل فى النظام القديم بكل مفرداته وكوادره لايزال متمسكا بحزمة إدارية جامدة لا يمكن لها التوفيق مع طموحات وأفكار جيل متطور.
ويرى عبدالله «أن إصرار الجيل القديم على استخدام الأساليب القديمة الجامدة لن يجدى أى نفع مع جيل أصبحت شيمته التطوير الذاتى، فى عالم اختلفت فيه أدوات بناء الثقة، ويضيف: إما أن يحاول الجيل القديم أن يصبح جزءا من الجيل الجديد أو سيجد نفسه على الهامش، ولا يوجد أى بديل».
من جانب آخر وصفت هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسى انشقاقات الشباب عن شيوخهم بالأمر «غير الصحى» باعتبار أنه يهدم أساسيات الضمير الجمعى بين قوسين «مصر»، الذى كان يهدف من البداية لتحقيق غاية واحدة -عيش وحرية وعدالة اجتماعية- لنصبح اليوم أمام اتجاهات أنانية فردية.
وتضيف هدى زكريا «كل من له غرض سياسى فردى يطالب به الآن، وما يحدث الآن ضد الجماعة الكبرى والمصلحة العليا وهى مصر، واللغة السياسية المستخدمة شديدة الانحطاط والجهل، فالضمير الجمعى الذى خرجت منه الثورة ليس هو الضمير المستخدم اليوم، وفى خضم كل تلك الأحداث قد يهدم كل ما هو نبيل».
ثورة الشباب ضد الحرس القديم.. من قبائل سيناء إلى "الإخوان" و"التجمع".. شباب قبائل سيناء: سحبنا من شيوخنا الشرعية لاستمرارهم فى تنفيذ سياسة الأمن والترويج لنظام مبارك
الأحد، 22 أبريل 2012 12:18 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال مصطفى
شباب واعى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوى
انتبهوا للأفاقين