د. محمد محسوب

الثورة عورة

الأحد، 22 أبريل 2012 09:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الذين يرون الثورة عورة لن يحوزوا خيرها..غير إنهم لن يُظلموا فيها لأنه «لا ظلم اليوم».
يعتبر البعض أن الخروج على الحاكم هو إخلال بقيم الشريعة فى الحكم، وإهدار لواحد من أهم المبادئ الشرعية، فى رأيهم، وهو السمع والطاعة لولى الأمر، وإن «تأمر عليكم عبد حبشى». فاعتبروا الثورة أمرا مشينا، ناصبوا الداعين إليها العداء واعتبروها عورة فكرية، يجب سترها والتبرؤ منها ومن الداعين إليها أو السالكين طريقها.
والحقيقة أن ما يتفوه به هؤلاء لا يقبله عقل سليم، أو فقه رصين، خصوصا الإسلام الذى يذكر له علماء الفقه الدستورى أنه أقر مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، المعتدى على حقوق العباد صراحة، ودون مواربة، فقالها مواطن مسلم أمام حاكم كبير القيمة وعالى القامة هو العادل الفاروق عمر بن الخطاب، فلم يمنعه دينه، وما تعلمه من النبى الأكرم «صلى الله عليه وسلم» من أن ينتفض أمام الحاكم ليقول له «والله لو اعوججت لقومناك بسيوفنا» ؛ وكان رد الفاروق عليه إقرارا للمبدأ بقوله: «الحمد لله الذى جعل فى أمة محمد من يقوم عمر بسيفه».
ولا يستند الفقهاء الجدد فى تحريمهم الخروج على الحاكم سوى لأقوال المتأخرين من علماء السلطان، الذين كرسوا الاستنامة للطغيان، والخنوع للظالم، بتنظير حاولوا أن يجعلوا الدين له أساسا، لكن هيهات.. فإن نصوص الإسلام التى تحث على الجهاد بإعلان كلمة حق عند سلطان جائر؛ وقول النبى «صلى الله عليه وسلم» لأعرابى كان يرتجف من هيبته: «هوّن عليك، فما أنا بملك ولا جبار»؛ بالإضافة إلى قصص العبر التى امتلأ بها القرآن، عمن صدعوا بالحق فى لحظات مظلمة فى التاريخ، وقبلوا فى سبيل ذلك التعذيب، بل والقتل، دون أن يثنيهم ذلك عن قول الحق قيد أنملة. وما سورة البروج إلا صورة لعذاب مجاهدين، جهروا بالحق، ونالوا الشهادة جزاء خروجهم على حكام زمانهم، واعتبر الله شهادتهم نصرا، وعذابهم ثمنا أوفى لنوال جزاء الأخرة فى أعلى عليين.
لكن الأشد قسوة على القلب مما يتفوه به هؤلاء، أنهم أول من سارعوا لقطف ثمار الثورة، بعد أن أسقط الثوار الحاكم المستبد وبذلوا فى سبيل ذلك دماء وجروحا وعيونا، فإذا بالمتقاعسين يستحوذون على مقاعد البرلمان، بينما الثائرون تنالهم محاكمات عسكرية، أو تجريح قمىء أوسباب بذىء ،وكأن هؤلاء القاعدين أيام الثورة كانوا يتربصون بها، وينتظرون مجيئها، لكنهم يرفضون دفع ثمنها، حتى إذا أدى الثوار دورهم وسقط الطاغية، شمر هؤلاء عن سواعدهم وأخرجوا جحافلهم التى أعدوها لهذا اليوم، وراحوا يقنعون الناس فى الشوارع والطرقات والكفور والنجوع أنهم رسل عناية إلهية، جاءوا لإخراج الناس من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية ؛ ومن جور الثوار إلى عدل الشيوخ الجدد.
وما إن استقر بهم المقام على كراسى البرلمان رفيع المقام، حتى سلط الله عليهم أنفسهم، فشوهوا بأيديهم صورتهم، فتجمّل بعضهم وغير خلق الله على غير ما يدعو الناس إليه، وليستر عورته، أشاع كذبا أن شطّارا قطعوا عليه الطريق، وسرقوا ماله وشوهوا خلقته ؛ ولأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الناس هم من يظلمون أنفسهم، ويضعون شخوصهم فى مواقف الفضيحة والمساءلة، قيّد الله لهم من يكشف زيف ما ساقه البرلمانى المتجمّل. ومن بعده وقعت وقائع، وحدثت أحداث اكتشف الناس معها أن أولئك ليسوا سوى خلق كالخلق، ولا يميزهم عن الخلق إلا قلة درايتهم وضعف علمهم، وسوء فهمهم، وقلة حيلتهم وميلهم إلى العسف والتشدد، لكنه تشدد مع الناس وتوسعة على أنفسهم.
ولما كان الله قد وعد بحفظ كتابه، وإعلاء شريعته، وجعل المصريين فى مقدمة المنتصرين للحق، فقال النبى «صلى الله عليه وسلم»: «ماتزال طائفة من أمتى قائمين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله. فقالوا من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل الغرب، وأشار إلى مصر». فإن مآل كل ذلك إلى نهاية محتومة، تنتصر فيها ثورة المصريين على النظام القاسى الظالم، وعلى أذياله، وعلى أولئك الذين دافعوا عن طول بقائه بالدعوة إلى عدم الخروج عليه، وحث الناس على الصبر دون اعتراض، ثم وثبوا على مقاعد البرلمان لما لاحت لهم فرصة، وأول ما أعلنوه تحريم الثورة وموت الحرية.
وهاهى الثورة تستعيد زخمها، فيسقط من فاوضوا ومن قايضوا ومن تصافقوا، ويظهر للناس عيانا أن الثورة قامت لكنها لم تصل إلى مداها بعد، وأن غايتها إقامة دولة العدل والحرية التى لا يتحكم فيها حاكم، أو تتغول فيها سلطة، أو تستأثر بالدين أو بالدنيا فئة أو طبقة أو جماعة.
نحن أمام مفترق طرق، تنهار فيه كل مؤسسة، لم تقم على العدل والإنصاف والتوافق بين فئات المجتمع وتراضيها، ولا تبقى سوى وجوه الشهداء مشرقة، تسأل من يحاول أو يلتف على الثورة أو يسرق ثمارها ؛ هل دفعت ثمنا، أو أديت ما يجب عليك؟ وطالما تمثلنا تلك الوجوه النقية الطاهرة، فإن أولئك الذين يرون الثورة عورة لن يحوزوا خيرها، غير إنهم لن يُظلموا فيها لأنه «لا ظلم اليوم».





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

hany mahmoud

كلمة حق

الله عليك يا د/ محسوب ان فى مصر رجال واعين

عدد الردود 0

بواسطة:

جاسر

هو الاخ محسوب محسوب على مين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة